قال: (قوله: يَصِحُّ. فصلٌ مخرج الأقوال الإنشائية.

وبُحِث فيه بأنه يخرج عن الحد القضايا التي لا يصح أن يقال لقائلها ذلك -صادق أو كاذب- لعصمته من الكذب) يعني: لقول الباري جل وعلا، وكذلك قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنه حق قول الباري، هذا لا يحتمل إلا الصدق، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما صح عنه وثبت لا يحتمل إلا الصدق.

إذاً: لا يقال لقائله: إنه صادقٌ فيه أو كاذب.

(أو لموافقة قوله الواقع، أو للقطع بكذبه، ومخالفة قوله للواقع فصار التعريف غير جامع.

والصواب: إسقاطٌ "لقائله" وإبداله بقيد لذاته).

إذاً: "محتمِل الصدق والكذب" إلى هنا نقول: خرج عنه ما لا يحتمل إلا الصدق، وخرج عنه ما لا يحتمل إلا الكذب.

(لذاته) يعني: لذات اللفظ، لذات التركيب دون نظرٍ إلى قائله. هذا الأصح.

(لذاته) هذا للإدخال، وجعلَه بعضهم للإخراج كذلك، فحينئذٍ للإدخال؛ لأن هناك ما لا يحتمل إلا الصدق، فلا بد من إدخاله؛ لأنه يسمى خبراً.

كذلك: ما لا يحتمل إلا الكذب، باعتبار ذاته بقطع النظر عن المتكلم به، هذا نقول: يحتمل الصدق والكذب، لكن لما نُسِب إلى القائل، حينئذٍ نقول: هذا لا يحتمل إلا الكذب، فرْقٌ بين الأمرين.

ومن هنا نقول: الخبر الموجود .. كتاب الله تعالى إما إخبارٌ وإما إنشائيات.

إذاً: الخبر يحتمل الصدق والكذب، بهذه المسألة وهذه لا يخالِف فيها أحد، نستدل بهذا على أنه لا غضاضة أن يقال بأن في القرآن مجاز ويصح نفيه، لماذا؟ لأنك قلت: يصح نفيه لا باعتبار كونه قرآناً، وإنما باعتبار المعنى الحقيقي وليس هو المراد ظاهراً من القرآن، المراد المعنى المجازي، وأما المعنى الحقيقي فليس مراداً فلا تنسِبه إلى الله عز وجل.

حينئذٍ صح أن يقال "لذاته" أنه يجوز نفيه، وإذا جاز نفيه فحينئذٍ نقول: إذا قيل: أنه لا يجوز أن يقال في كلام الله تعالى ما يجوز نفيه نقول: أنت سلّمت بأن في القرآن ما هو خبر، والخبر يجوز تكذيبه، هذا الأصل بقطع النظر عن قائله يجوز، فأنت جوّزت ما هو أعظم من النفي، ولا شك أن التكذيب أعظم من النفي.

فحينئذٍ كيف يقال بالتفرقة بين الأمرين؟

فيُستدل بكون الخبر ما يحتمل الصدق والكذب لذاته بأنه في القرآن على أنه لا بأس أن يقال في القرآن باعتبار ذاته أنه ما يحتمل الصدق والكذب.

إذاً: لا غضاضة في الرد على من يقول بالمجاز: بأنه يجوز نفيه وكيف يقال بأن القرآن يجوز نفيه؟

أولاً: لا يجوز نفيه من حيث اعتبار المعنى المجازي، وهو الذي يُنسب للقرآن، حينئذٍ ((جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ)) [الكهف:77] لو سلّمنا بأنه مجاز. ظاهر القرآن أنه ما أراد الإرادة الحقيقية، وهو الذي يجوز نفيُه، أما الأمر الظاهر الذي هو المجاز لا يجوز نفيه، حينئذٍ ما نُفي.

فحينئذٍ على كلام المحشي هنا: أنه لا بد من إبدال قوله: لقائله أن يقال: لذاته.

لأنه في ظاهر اللفظ أنه لا يدخل معنا قول المعصوم .. النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذلك القرآن.

ولذلك قال العطار هناك: (المشهور تعريف القضية باحتمالها الصدق والكذب اللذين هما صفتان للفظ) هذا هو المشهور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015