وهذا كما ذكرت لكم فيما سبق: الأولى أننا إذا جعلنا هذا الفن داخلاً في العلوم الشرعية لا بد أن نتوسع في المصطلحات، لا بد أن نُغيِّر لا بأس.
إذا كان اللفظ عندهم عاماً نخصصه، إن كان عندهم خاص عمَّمناه، استدركنا على بعض المسائل، جعلوه ثلاثة أقسام جعلناه خمسة، جعلوه خمسة أقسام جعلناه ثلاثة لا بأس، بل هذا الذي ينبغي اعتمادُه.
وأما الوقوف على ما ذكروه هم، ثم إذا أُريد استعماله في بعض الكتب الشرعية على ما وُجد فنأتي بالاعتراض أنه هذا فنُّهم، وأن هذا أصلاً وضعُه في المعقول ولا ترِد الأدلة النقلية نقول: لا.
ولذلك الأصوليين يقولون: هذا أمرٌ ومطلق الأمر للوجوب، إذاً: هذا للوجوب، هذا دليل شرعي.
مطلق الأمر للوجوب هذه قاعدة أصولية، فتعتبر دليلاً شرعياً.
ما هو الأصول؟ قواعد وأدلة، وهذه الأدلة لا بد أن تكون معتمَدة في الشرع يعني: دل عليها دليلٌ شرعي.
إذاً: هذا نقول: قياس فاشل لأنه ليس في المعقولات بل هو في المنقولات؟ ليس بصحيح، هذا التوسع أو الجمود الذي عليه العطار هذا فيه نظر، يُنتبه له.
إذاً: (يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِقَائِلهِ إِنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ أَوْ كَاذِبٌ) فاعتراض المحشي هنا أولى مما قرره العطار.
قال: (خرج به الأقوال الناقصة) كالمركب الإضافي، والتوصيفي، والمزجي، وجملة الشرط وحدَها، وجملة القسم كذلك .. هذه كلها مركّبات ناقصة.
قال: (والإنشائيات) وإن كانت أقوالاً تامة.
أقوال تامة أو لا؟ نقول: نعم هي أقوال تامة.
يعني: فعل الأمر، التعجب، الجملة .. ؛ لأنها لا تحتمل صدقاً ولا كذباً، وهي من قبيل التصور الخالي عن الحُكم.
قال هنا: (والإنشائيات من الأمر، والنهي، والاستفهام) الأمر والنهي والاستفهام معلومة من مواضِعها.
(وغيرِها كالتخصيص، والعرض، والترجي، والتمني، والدعاء، والنداء) هذه كلها تعتبر من الإنشائيات.
قال: (والمراد بالقول هنا) أي: في تعريف القضية.
(المركَّب تركيباً لفظياً في القضية العقلية أو) هذا ليس للجمع، هذا أو ذاك (عقلياً في القضية العقلية).
قال العطار: (لا يفيد أن القول مشترَكٌ بين القضية المعقولة والملفوظة) لا يرد هذا كما مر معنا هناك.
(وأنه أُريد به كلا المعنيين، فإن العطف بأو يأبى ذلك) يعني: لا يقال بأن اللفظ مشترَك بين القضية اللفظية والقضية العقلية، ولا يقال بأن كلا المعنيين مرادٌ.
(فإن العطف بأو يأبى ذلك) يعني: الذي يمنع هو العطف بأو؛ لأنها لأحد الشيئين أو الأشياء. كما هو مشهورٌ في محله.
(يأبى ذلك، بل معناه: أن المعرَّف) هنا (قَوْلٌ).
(إما القضية المعقولة فيُراد بالقول المركّب العقلي، أو الملفوظة فيُراد به المركّب اللفظي) يعني: هذا أو ذاك.
(وتعريفُ واحدٍ منهما تعريفٌ للآخر) لأن اللفظ مدلولُه المعقول يعني: لا إشكال، فالبحث هنا صِرف لفظي .. من باب تحرير المصطلحات فقط.
حينئذٍ إذا عرَّف اللفظية لا شك أن مدلول اللفظية المعقول، وإذا عرَّف المعقولة لا شك أن دالّها لفظيٌ .. وهكذا، لا نحمِله على اللفظ المشترك ولا نقول: أراد المعنيين معاً، بل الأصل فيه أن يُراد واحدٌ منهما إما العقلي وإما اللفظي.