لأنه قد تأتي دعوات في المصطلح: المتقدمون والمتأخرون، وأحياناً نسمع حتى في التفسير تجديد التفسير، تسمع كذلك في الأصول تجديد أصول الفقه. ماذا بقي؟ كلُّ عِلمٍ يحتاج إلى تجديد، لماذا؟ لأن المتأخرين خالفوا المتقدمين. طيب ما الشأن؟ فكان ماذا؟
فانظر في قول المتقدمين وانظر في دليلهم، ليسوا معصومين لا المتقدمين ولا المتأخرين، فتنظر في دليل كل واحدٍ منهما وحينئذٍ تحصُل النتيجة.
قد يقال في المصطلح مثلاً -على جهة الخصوص- يقال: المتقدمون هم أهل الفن، نقول: نعم هم أهل الفن، ولا شك أن كلمتهم معتبرَة ومقدَّمة، لكن ما قالوه وما اصطلحوا عليه على مرتبتين، وهذا يدركه صغير طلاب العلم: أن المصطلحات التي قالها أحمد وسفيان ووكيع ويحيى وابن المبارك -إن عُدَّ منهم- حينئذٍ نقول: المصطلحات إما قد اتفقوا عليها، وإما قد اختلفوا فيها.
ما اتفقوا عليه من أندَرِ النادر أن تجد المتأخرين خالفوهم فيه .. المجمع عليه، إذا اتفقوا على شيءٍ ما، لا يكاد أن تجد مثالاً واحداً وقد يكون في النادر، وإما سبق قلم وإما فساد في التصور .. مسألة خاصة عند زيدٍ من الناس أو عند عالمٍ من الناس.
النوع الثاني: أن يكون قد اختلفوا، إذا اختلفوا حينئذٍ المتأخر ماذا يصنع؟ ينظر في الخلاف فيختار، فيعتمدُه في كتابه، إذا اعتمد في كتابه قولاً قد قال به من سبق، وخالفه غيرُه في تعريف الشاذ وتعريف المنكر، في تقسيم الحديث صحيح وحسن أو ضعيف، الحسن داخل في الصحيح أو في الضعيف .. كلها مسائل مختلف فيها.
إذا رجَّح المتأخر قولاً ما، حينئذٍ لا غضاضة في ذلك، هذا مذهبُه، رُدَّ عليه بدليل، أما تقول: لماذا خالف المتقدمين؟ أين المتقدمون هنا؟ في ذهنك أنت؛ لأنك تصورت أنهم قد اتفقوا ولم يتفقوا، وهذا شأنه.
ولذلك قيل في الاختيارات الشرعية -الحلال والحرام-: إذا اختلف الصحابة، ماذا يصنع التابعون؟ قالوا: يجب "ولا يجوز التقليد" يجب أن يُنظر في أقوالهم وتُعرض على الكتاب والسنة. هذا من؟ الصحابة، إذا اختلف أبو بكر وعمر في مسألة لا نقلِّد أبا بكر هكذا ولا نقلِّد عمر هكذا، وإنما ننظر في مستند كل منهما فنعرضه على الكتاب والسنة، فما وافق قبلناه؛ لأنهم اختلفوا.
حينئذٍ المصطلح منه ما هو متفقٌ عليه، ومنه ما هو مختلفٌ فيه، إن وقع الاتفاق هذا لا يخالِف فيه أحد؛ لأنه لا يجوز الخلاف وليس له وجود والله أعلم، لا أجزم لكن إن وُجِد فهو قليل نادر ولا يُنسب لمذهب معيَّن أو لطائفة المتأخرين، وإنما يختص بفلان دون غيره، أما منهج عام فلا .. لا يوجد.
وأما ما اختلفوا فيه فالحمد لله، من الذي يمنع الاختيار؟ لا أحد يمنع، إذا عرَّف الشافعي الشاذ بكذا وعرَّفه فلان بكذا، وهذا له استعمال خاص، وهذا له استعمال خاص فلا إشكال فيه.
ولذلك هم اختلفوا في تقسيم الحديث: مقبول ومردود، صحيح وحسن، ثم الحسن لذاته والحسن لغيره، والترمذي عندهم من المتقدمين، وما كلامُه في الحسن، هذا يدل على ماذا؟