(كان الناطق الذي هو الفصل جواباً عنه؛ لأنه) أي: الناطق (يميّزه) أي: يميِّز الإنسان (عما يشاركه في الجنس) كالبغل ونحوها.
قال: (وأراد بالنطق الصفةَ المستلزِمةَ صحةَ التمييز العقلي، والنظرَ اليقيني، والتصورَ الخيالي فهو فصلٌ للإنسان).
قيل: فقط يميزه عن الملائكة، ومن قال بأن الملائكة تنطق بهذا الاعتبار، فحينئذٍ لا يميِّزه وإنما يميّزه عن سائر البشر "يعني: غير الملائكة" إن كان المراد الموجودات فحينئذٍ إذا كانت الملائكة تنطق والجن كذلك توصف بالنطق فحينئذٍ لا يكون مميِّزاً، لكن إذا كان المراد غير الملائكة وغير الجن، فحينئذٍ صار مميزاً.
(لأنه يميزه عما يشاركه في الجنس).
قال هنا: وتبِعَ في اقتصاره في الجنس المتقدِّمِين (عمَّا يُشَاركُهُ فِي الجْنْسِ) هذا قولُ صاحب المتن، عبارتُه (وَهُوَ الَّذِي يُمَيِّزُ الشَّيْءَ عمَّا يُشَاركُهُ فِي الجْنْسِ) ما قال: أو في الوجود، قال: في الجنس فقط، اقتصر على هذه الجملة يعني لم يقل: أو في الوجود كما هو شأن المتأخرين.
(وتبِعَ) يعني الشارح لأنه هو الذي يقول: وتبِع.
(تبعَ) الماتن (في اقتصاره) واكتفائه (على قوله) في التعريف السابق (في الجنس المتقدِّمين) تبع المتقدمين.
(بناءً على أن كل ماهيّة لها فصلٌ فلها جنس) صحيح، كل ماهيّة لها فصلٌ فلها جنس؛ لأن الفصل يأتي كالمفسِّر الكاشف، فتقول: الإنسان حيوان، طيب حيوان هذا فيه إبهام يحتاج إلى كاشف، يحتاج إلى مميِّز، يحتاج إلى مفسِّر وإن كان سيسميه المصنف مفسِّراً، حينئذٍ نقول: يحتاج إلى مفسِّر، فإذا كان كذلك فحينئذٍ لا يوجد فصلٌ لماهيةٍ إلا ولها جنس.
(بناءً على أن كل ماهيّةٍ لها فصلٌ فلها جنسٌ.
وذهب المتأخِّرون) انظر! المتقدمون والمتأخرون، هذا في كل فن، ولا إشكال في هذا ولا غضاضة، وإنما ينظر الناظر في المذهبين وينظر في أدلة كلٍ منهما ويختار، لا نُكَوِّن حَمْلَة للمتأخِّرين على المتقدمين ولا العكس.
لا يأتي أنصار للمتقدمين فيرُدُّون على المتأخرين، ولا يأتي المتأخرون يردون على المتقدمين، هذا شأن العلوم، ما عدا ذلك فهو خلَل في الفن، خلل في صاحبه أنه ما أدرك العلم، لو كان مدرِكاً للعِلم لعلِم أن كل فنٍ حتى في المنْطِق هنا معنا، كم مرة مرت معنا المتقدمون والمتأخرون؟ كثير. وهذا تجده في التفسير، وتجده في الفقه، في المذاهب يقسِّمون أتباع المذاهب، بل الترجيحات المذهب كله يتغربل، المتقدمون يُفتُون على فتوى ثم يأتي المتأخِّرون يُغربَل المذهب فيُخَالَف.
فيقال: هذا حرام في المذهب القديم، وهذا حرامٌ في الجديد، ومذهب الإمام أحمد، ومتقدمون ومتوسطون ومتأخرون.
إذاً: أمر طبيعي، الذي لا يعتبره أمراً طبيعياً هذا عنده خلل في تصوُّرِه للفن يعني: فساد في التصور، هذه مشكلة، فساد التصور معناه أنه ليس من أهل العلم .. الفساد إذا وقع في التصور معناه أن الموضوعات التي حكَم عليها فاسدة، فكيف يكون من أهل العلم؟ انتبهوا لهذا لا يلتبس عليكم.