قد يقول قائل: ما زيدٌ وبكرٌ وعمروٌ، إذا قلتَ: إنسان أين الحقيقة المتحدة؟ ليس عندنا حقيقة متحدة ولا مفترِقة.
إذا كان الأول لونُه أبيض والثاني أسود، والثالث طويل والأول قصير. إذاً: مختلفون هؤلاء. نقول: لا. هذا الاختلاف لا أثر له في التشخُّص؛ لأنه باعتبار التشخص، وأما الحقيقة فهي متَّحِدة. هذا الذي عناه.
(ولا عبرة بالمشخِّصات) يعني: الأعراض العامة.
التي يمتاز بها زيدٌ عن بكر، لا شك أنهما يمتازان، ولذلك الأُنثى تمتاز عن الذكر، والذكر عن الأنثى، ويصدُق عليهما لفظ إنسان، لكن هذه مشخِّصات وهذه مشخِّصات، وأما الحيوانية الناطقية فهي متحدة في الذكر والأنثى. وهذا أنسب في المشخِّصات؛ لأنها عرضيات.
وعن الرابع وهو الكثير المختلف الحقيقة في الجنس القريب كحيوان.
إذاً: المسئول عنه بما محصورٌ في أربعة أشياء.
يجاب عنها بثلاثة أشياء: إما بالحد، وإما بالنوع، وإما بالجنس.
قال العطار: وجهُ الحصر أن الجواب إما أن يكون بالحد وهو الأول "واحد الكلِّي" أو بالنوع وهو الثاني، أو بالجنس وهو الثالث "يعني: الجواب".
والحاصل: أن الأسئلة بما هو وإن كثُرت فجوابها منحصرٌ في ثلاثة أقسام:
جوابٌ لا يكون إلا إذا كان السؤال عن واحدٍ كُلّي، ولا يكون حالة التعدد وهو الجواب بالحد.
وجوابٌ لا يكون إلا عند السؤال عن متعددٍ كليين مختلفي الحقيقة، أو شخصين، أو شخصٍ وكُلِّيٍ كذلك، ولا يكون عن مفردٍ وهو الجواب بالجنس. على ما ذكره الشارح هنا.
وجوابٌ يكون عن السؤال عن مفردٌ شخصٍ أو أشخاص متحدة الحقيقة، أو صنفٍ أو أصنافٍ كذلك وحدَها.
أو مع الشخص أو الأشخاص المتفقِ جميعِها في حقيقة واحدة وهو الجواب بالنوع الحقيقي. يعني: لا الإضافي.
قال: (وَيُرْسَمُ) يعني: يُعرَّف أو يُحدّ.
وهو بينهم خلاف سيأتي: لماذا عبَّر يُرسم ولم يقل: يُحد، هل أن هذه لا تحد؟ لأن الحد لا يكون إلا بالذاتيات، والرسم يكون بغير الذاتيات أو ببعضها ليس بتمامها.
قال: (وَيُرْسَمُ) (الجنس) يعني: يُعرَّف.
(بِأَنَّهُ كُلِّىٌّ) الباء هذه -يُرسم بأنه كُلّيٌ- متعلِّقة بيُرسم.
(أَنَّهُ) أي: أن الحال والشأن، أو (أَنَّهُ) يعني: الجنس؟
الجنس .. الضمير يعود على الجنس؛ لأنه موجود مذكور، إذا كان مذكوراً ما نفسِّره بضمير القصة ولا الشأن، إنما نرجع الضمير إلى ما سبق.
(وَيُرْسَمُ الجْنْسُ بِأَنَّهُ كُلِّىٌّ).
(مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ) هو معنى الكلِّي، كُلّيٌ هو مقولٌ على كثيرين.
(كُلِّىٌّ) اللفظ هذا، قلنا ضابط الكلِّي هو أن يُحمل على كثيرين.
إذاً: من لفظ "كُلّي" نفهم أنه (مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ) لأنه هذا حقيقة الكلِّي.
ولذلك بحيثُ يُحمل على كل فردٍ من أفراده.
قال في التعريف: (كُلِّىٌّ مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ).
إذاً: إذا كان الكلِّي لا يُفهم منه إلا أنه مقولٌ على كثيرين، لماذا تنُص على ذلك؟
(قيل: لا حاجة إليه -لقوله: كُلّي- لإغناء مقولٍ على كثيرين عنه. ورُدَّ).
هو ما دام أنه قاله لا بد أن يكون هو الصواب عنده.
(ورُدَّ بأن المتأخر لا يُغنِي عن المتقدِّم) لأن الاعتراض هنا جاء بمتأخر عن متقدم، وهذا غريب يعني، لكن هكذا أمِرُّوها كما جاءتْ.