"وجودُ الله" عندنا مضاف ومضاف إليه وعندنا نسبة تقييدية، وجودُ زيدٍ عندنا مضاف ومضاف إليه ونسبة تقييدية.
لما حصلت الإضافة لأنه انتقل من الذهن إلى الخارج بالإضافة، أما وجود هكذا .. ليس عندنا معنى شيء نقول: هذا وجود، لا يتعلق بالباري، ولا بزيد ولا بعمرو، ولا ببيت، ولا بمسجد .. ولا غيره، ليس عندنا وجود؛ لأنه معنى كُلّي موجود في الذهن.
فحينئذٍ قبْلَ أن يضاف فمحلُه الذهن، باعتبار الأفراد في الخارج -خارج الذهن-، فحينئذٍ بالإضافة يمتاز كلٌ منهما عن الآخر.
إذاً: المراد هنا المشكك: أن اللفظ هو كُلّي وله معنًى، لا يمنع العقل من الاشتراك فيه، لكن أفرادُه لم تستوي، بل اختلفت بالشدة تارة كالبياض وسائر الألوان، وبالتقدُّم.
حينئذٍ الوجود .. واجب الوجود متقدَّم: كان الله ولم يكن شيءٌ ثَم معه، ووجود المخلوق هذا متأخر.
إذاً: وجودٌ ووجود، والمعنى الكلِّي موجودٌ في الذهن، وإنما انفرد في الخارج، ثم أحدُهما متقدم وهو وجود الباري جل وعلا مطلقاً، والوجود الممكن هذا متأخر.
قال: (وَإِمَّا جُزْئِيٌ) هذا يقال ماذا؟
(إِمَّا كُلِّىٌّ، وَإِمَّا جُزْئِيٌ) يعني: هذا النوع الثاني من نوعي المفرد.
الأول: الكلِّي، وذكَر له تقسيمين باعتبارين:
الأول: باعتبار أفراده ووجودِها في الخارج وعدمِها.
والثاني: باعتبار الاستواء في أفراده وعدمِه.
انتقل إلى الجزئي قال: (وَإِمَّا جُزْئِيٌ).
قال في الحاشية: (أي: حقيقيٌ، بقرينة مقابلته بالكلي؛ لأن الجزئي قد يكون إضافياً "سيذكره الشارح" بالنسبة إلى أعم منه، مع كونه كُلِّياً بالنسبة إلى أخص منه كالحيوان فإنه جزئي "يعني: إضافي" بالنسبة إلى الجسم النامي، كُلّيٌ بالنسبة إلى الإنسان) هذا سيأتي ذكره.
(وذلك) أي: الجزئي (كعَلَم الشخص، والمعرَّف بأل) هذا نأتي به بعد أن نعرِّفه أحسن.
(وَإِمَّا جُزْئِيٌ) قال: (وَهُوَ) أي: الجزئي.
(وَهُوَ) أي: حقيقةُ الجزئي المفرد.
(الَّذِي) يعني: جنس، هذا شامل للجزئي والكلي.
(يَمْنَعُ نَفْسُ تَصَوُّرِ مَفْهُومِهِ ذلِكَ) المشار إليه هو قوع الشركة.
إذاً: ما يمنع تصوُّره وقوع الشركة، هذا نسميه جزئي.
ما لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه. هذا يسمى كلياً.
إذاً: هما متقابلان: يمنع لا يمنع.
(وَهُوَ الَّذِي يَمْنَعُ نَفْسُ تَصَوُّرِ) يعني: ذات التصور، التصور هو المفهوم .. مفهوم الكلمة ومدلولها.
(يَمْنَعُ نَفْسُ تَصَوُّرِ مَفْهُومِهِ) تصور مفهومه يعني: مدلولِه.
(ذلِكَ) أي: وقوع الشركة فيه.
(بمعنى: أن الجزئي إذا تُصوِّر معناه وحصلت صورتُه في العقل، فإن تلك الصورة الحاصلة في العقل لا يصح فرض صِدقِها على كثيرين) بل لا تصدق إلا على واحد.
(فإنه يحصل مِن تعقُّلِ كل واحدٍ من الجزئيات صورةٌ مغايِرة للصورة المتعلقة من جزء آخر) وهو كذلك.
فإذا تصورتَ زيداً من الناس وقع في نفسك الذات التي سُمّيت بهذا، إذا تصورت معنى عمرو، حينئذٍ نقول: وقعَ في الذهن ذاتٌ مغايرةٌ لتلك الذات، ولذلك يختص الاسم بمسماه.
حينئذٍ نقول: اختص الاسم بمسماه، فلا يدخل تحت ذلك الاسم غيرُه البتة؛ لأنك لو جوَّزت كونه يدخل تحته لجوَّزت أن الذات تدخل في الذات. وهذا فاسد.