لكن بعض الحواشي لا، فيها فوائد وفيها درر، كحاشية الخضري على ابن عقيل، وحاشية الصبَّان على الأشموني. حاشيتان في النحو لا مثيل لهما.
كذلك حاشية العطَّار على جمع الجوامع -المحلي- لا مثيل لها، وهي أقوى وأنفس من حاشية البنَّاني.
هنا في باب المنطق شرْحُ زكريا الأنصاري عليه حاشية حسن العطَّار وهي أنفس من عُليِّش الذي معنا.
وكذلك في التذهيب له حاشية وهي حاشيةٌ نفيسة كذلك.
فإذا أتقن الطالب هذين الكتابين يكتفي، ثم تأتي الممارسة والملكة.
الممارسة والملكة لا تأتي بحفظ المصطلحات فقط، وإنما تأتي بماذا؟
الملكة كيف يُنشئها طالب العمل في نفسه؟ إنما يُنشئها بممارسة الفنِّ، ليس بالنظر في الفن.
فأنت لو كنت تحفظ ألفية ابن مالك، تحفظ فقط وتراجع كل يوم وتجرُد ابن عقيل كل أسبوع لن تكون نحوياً، لست معدوداً من النحاة أصلاً.
متى تكون نحوياً؟ عند الممارسة.
إذا مارستَ النحو يعني: نطقتَ وتكلمت وأعربت، ونظرت في الآيات وأعربت، واستخرجت واستنبطتَ .. إلى غير ذلك. حينئذٍ تتدرج في فن النحو، وإذا استمر طالب العلم في ذلك حينئذٍ يصل إلى الملكة -ملكات الفنون-، وهذه لا تكون إلا بالممارسات.
وفي علوم الشريعة تأتي كذلك بالجرد، وأما هنا فالمراد به أن يمارس والممارسة إنما تأتي فيما لو نظرتَ في كتب الأصوليين، تقف مع بعض المصطلحات، أو كتب النحو التي قلنا فيما سبق أنها مشوبةٌ باصطلاحات وعبارات منطقية، فتنظر في كل موضعٍ على جهة التطبيق لهذا الفن.
كما تنظر فيما لو حفظت ألفية ابن مالك في الإعرابات في القرآن، ماذا أُعرِب؟ أُعرب الألفية نفسها مثلاً، أو تنظر في إعراب القرآن فتمارس النحو، كذلك الصرف، كذلك البيان، كذلك المصطلح تدرسه ثم تمارس في التخريج ونحو ذلك.
هنا تدرسه ماذا تصنع تقف؟ لا، وإنما تمارس هذا الفن بالنظر فيما كتبه أهل الأصول من مقدمات أو فيما يتعلق بالمسائل، أو كذلك أهل النحو أونحو ذلك.
ثم فيما يتعلق بالرد تنظر فيما كتبه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في إبطال ما ادَّعاه من ادعى في كون عقيدته على قياسٍ صحيح، حينئذٍ بعد ذلك تستمر في هذا النوع، فتمارس الفن فتتكون عندك الملكة.
حينئذٍ إذا أتقنت ما ذكرتُه لك، حينئذٍ لا يُشكل عليك شيءٌ من مصطلحات القوم ولا من قواعدهم، بل فيما يظهر والله أعلم أنك تكون مشاركاً لهم؛ لأن أكثر ما ذُكر في الشمسية وفي السلّم إنما هو الذي يدندن به من يدندن في باب المعتقد من الأقيسة ونحوها.
ثم اعلم أن هذا الفن مسائله النثرية يصعب بقاؤها في الذهن كغيرها من العلوم، كالفرائض .. الفرائض ما تبقى، لكن لو حفظ طالب العلم نظماً سلساً، أو نظماً مطولاً، حينئذٍ يبقى معه شيءٌ من العلم.