المبتدئ في هذا الفن عليه أن يتدرج في تعلمه، وبعضهم اشترط هنا أن يكون عنده شيءٌ من علم المعتقد، لكن هذا ليس بشرط؛ لأننا قلنا هذا الباب مخلَّص فليس فيه شُبه، وخاصةً إذا قرأه على من هو من أهل السنة والجماعة؛ لأنه يرد الإشكال في بعض الأمثلة.
كل من كتَب في علم المنطق إما أشعري وإما ماترودي .. متأخرون، فحينئذٍ يأتي بعض الأمثلة تتعلق بباب المعتقَد، فالذي لا يعرف ولا يميِّز أو لا يقرأ على من يميِّز له ذلك، فحينئذٍ قد يقع في الإشكال.
فإذا كان لا يقرأ على مُعلِّمٍ من أهل السنة والجماعة، أو يقرأ بنفسه، أو يقرأ على أشعري إن جاز له ذلك. فحينئذٍ نقول: لا بد أن يكون عنده شيءٌ من باب المعتقد؛ ليسلم من الخلط.
من تحركت همته لنيل حظٍ من هذا الفن فعليه قبل الولوج فيه أن يأخذ حظاً من علم الكتاب والسنة دراسةً تأصلية. للأمر الذي ذكرناه.
رابعاً: المبتدئ في هذا الفن عليه أن يتدرج في تعلُّمه، فيأخذَه شيئاً فشيئاً على أهله (يعني: على ما يفهمه)، يشرع أولاً (على المشهور عند أهل العلم) في حفظ متن السلَّم المنورق. وهذا كما ذكرنا أنه نظمٌ لإيساغوجي، وإيساغوجي نثر، وبعضهم يقدِّم النثر فلا بأس، وبعضهم يقدِّم النظم ولا بأس. وكلاهما على خير.
من يحب حفظ النثر فليحفظ إيساغوجي، ومن يحب حفظ المنظومات فليحفظ السلَّم المنورق. هذه الكتب ليست توقيفية يعني: ليست مبناها على التوقيف من خرج عنها فقد وقع في محظورٍ.
فيحفظ متن السلَّم المنورق للأخضري، وهو مختصر مفيد وعليه شروح عديدة لأهل العلم وهو سهل العبارة, واضح الإشارة.
قيل: إنه نظمٌ لإيساغوجي وإن لم ينصَّ الناظم على ذلك, وعليه شروح كثيرة, من أحسنها وأجودها شرح الإيضاح -إيضاح المبهم- لأحمد الدمنهوري، وهو شرح جيد ومفيد جديد في هذا الفن؛ لأنه أشبه ما يكون بكتابٍ عصري. ثم يقرأ بعد إتقانه وإجادته شرح السلَّم المنورق كذلك لأحمد المَلَّوي. وهذا جيد ويفيد كمرحلة ثانية.
وهذا يكتفي به فيما يتعلق بشروح السلَّم، إذا أراد أن يكتفي بواحدٍ منهما فحينئذٍ ينظر في الدمنهوري (إيضاح المبهم)، والأحسن من ذلك أن يدرس أولاً إيضاح المبهم ثم بعد ذلك يضيف إليه شرح أحمد الملَّوي، وعليه حاشية للصبَّان، وهي كذلك حاشية نفيسة في هذا الباب.
ثم إذا أتقن هذا الجانب -الذي هو الأخضري- يرتقي إلى الشمسية وتهذيبِها، إما هذا أو ذاك، تهذيب الشمسية لسعد الدين التفتازاني، وعليه شرح للخبيصي، وعليه حاشية للعطار، والشمسية وشروحُها مشهورةٌ كذلك وعليها شرحٌ للتفتازاني.
ثم يقرأ الطالب بعد ذلك تهذيب الشمسية لسعد الدين مسعود التفتازاني، وعليه شروح أشهرها (التذهيب شرح التهذيب) للعلامة الخبيصي (مطبوع).
وكتبَ على التذهيب أبو السعادات حسن العطَّار حاشية نفيسة محررة. يعني: بالنسبة لفن المنطق، كما هي عادتُه في حواشِيه.
العطَّار له حواشي من أنفس ما يكتبه المحشُّون؛ لأن أكثر المحشِّين قد يعيشون فراغاً. يعني: يريد أن يلتمس حُجةً على صاحب الكتاب، ويذهبون بالصفحة والصفحتين في إعراب وتوجيه كلمات .. إلى آخره.