إن كان بيِّناً بالمعنى الأخص يعني: الذي يُتصور فيه الملزوم دون الطرفين فهذا ممنوع.

إذْ كثيراً ما نتصور شيئاً ويخطر ببالنا غيره، وإن أراد أنه بيّنٌ بالمعنى الأعم فمُسلَّمٌ، ولكن لا يفيد؛ إذ المُعْتَبر في دلالة الالتزام هو المعنى الأخص.

يعني: إن سُلِّم له فهو باللازم البيِّن الأعم، وليس هو شرطٌ في دلالة الالتزام، لكن هذا كذلك لا يُسلَّم.

إذاً: (وكذا لا تستلزم) يعني: المطابقة (الالتزام خلافاً للفخر الرازي) حيث قال بالالتزام.

قال في الحاشية هنا: لأن كل ماهيّة لها لازمٌ ذهني، لأن تصور كل ماهيّة يستلزم تصور أنها ليست غير نفسها، ورُدَّ بأن هذا ليس لزومه بالمعنى الأخص؛ إذ لا يكفي تصور الماهيّة في جزم العقل بلزومه لها، إذ لا يلزم من تصورها خطورُ غيرها بالبال فضلاً عن سلب كونِها غيرَها.

وعُلم من هذا أن التضمن لا يستلزم الالتزام، إذا نُفي المطابقة ولا تستلزم الالتزام كذلك التضمن؛ لأنها جزءٌ من المطابقة.

لأن لازم الجزء لازمٌ لكله فيلزم من نفيه عن الكل نفيه عن جزئه.

قال هنا: (خلافاً للفخر الرازي.

وأما التضمن والالتزام فيستلزمان المطابقة) كما مر معنا.

(ضرورة) يعني: ليس المراد به ما قابل النظر .. علم نظري وعلم ضروري؛ لأن هذا المطلب استدلالي بل المراد بها الوجوب، فيستلزمان المطابقة وجوباً.

قال: (ودلالة المطابقة لفظية) وهذا محل وفاق.

(لأنها بمحض اللفظ) دلالة اللفظ المطابَقية هذه لفظية محل وفاقٍ هذا بين البيانيين والمناطقة والأصوليين: أن دلالة المطابقة لفظية ولا إشكال فيه.

قال: (لفظية) الأَولى وضعية أي: اتفاقاً.

(لأنها بمحض اللفظ) أي: ليست متوقفةً على غير معرفة الوضع، لا بمعنى أنه ليس للعقل مدخلٌ فيها؛ لأن له مدخلاً في جميع الدلالات.

ما المراد بالمدْخَلِيَّة هنا؟

الاستفادة، العقل هل يُستفاد منه في فهم اللفظ الدال على جميع المعنى؟ يستفاد منه، كذلك في البعضية، كذلك في اللازم.

حينئذٍ العقل له مدخلٌ في الجميع، لكن في الدلالة اللفظية الأصل فيه ملاحظة الوضع .. هذا الأصل فيه، ولذلك قال: (بمحض اللفظ) أي: ليست متوقفةً على غير معرفة الوضع، فقط تعرِف هل العرب نطقت بهذا اللفظ مراداً به هذا المعنى أو لا؟ هذا المراد.

(والأُخريان) وهما التضمن والالتزام.

(عقليتان) يعني: مردُّهما إلى العقل.

لأن اللفظ الموضوع للمجموع لم يوضع للجزء، ولا للازم، فلا يدل عليهما بالوضع بل بالعقل؛ لأن فَهْم المجموع بدون فهم جزئه محالٌ عقلاً ومثله اللازم، وهذا القول اختاره صاحب المحصول والسُبكي والهندي وغيرهم: أن دلالة التضمن عقلية، دلالة الالتزام عقلية؛ لأن اللفظ ما وُضع للجزء وإنما وُضع للكل، فهمُك للجزء هذا بالعقل ليس للوضع مدخل، الوضع إنما وَضع اللفظ للمعنى جميعه ما وضعه لبعضه، وإنما أنت فهمت بعقلك البعض أو الجزء، واللازم واضح أنه عقلي، هذا لا إشكال فيه.

قال هنا: (لتوقُّفهما) أي: التضمنية والالتزامية (على انتقال الذهن من المعنى المطابَقي إلى جزئه) أي: جزء المعنى.

فعندنا انتقال، والذي انتقل هنا من الدلالة على الكل "جميع" مطابقي إلى الجزء هو العقل (أو لازمِه الخارج عن المعنى) وهذا عقلي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015