وقيل:) وفيها طراده (: اي صِرتُ في جُملة عبيده وعديده، فإذا سار إلى موضع سرت معه، وطاردت بين يديه، فكأنه هو المُطارد عليها، لان ذلك بأمره ولطلب الحُظوة عنده. و) فيها (: بدل من) عليها (وقد يجوز أن تكون) وفيها طِرادثه (: اي وفيها ما علمها من عِلم المطاردة والعَدو بفُرسانها.
) وأحق الغُيوث نفسا بحمدٍ ... في زمانٍ كُلُّ النفوس جَرادُه (
اي زادتنا الأيام بك إعجاباً، ولك استغراباً، وذلك لان والٍ في زمان يأخذ فيه كل زالٍ اموال الناس، فهم كالجراد الذي يحشك الزرع والربيع والبُسر. وأنت تبدُر مالك، فكأنك غيث تنبت لهم المراعي وغيرك جراد يَجرُدها. وهذا كقول ابن أبى عُيينة يهجو المُهلبي، ويمدح أباه:
أبوك لنا غيثٌ نعيش بنبته ... وأنت جرادٌ لست تبُقي ولا تذر
) عددٌ عشته يَرى الجسُم فيه ... أرباً لا يَراهُ فيما يُزادُه (
يصف هذه القصيدة التي مدح أبا الفضل، وأهداها إليه في النيروز فيقول: هي أربعون بيتاً، وهي عدد السنين التي إذا تجاوزها الانسن نقص عما عهده عليه في جسمه، من أحواله في تقلبه وتصرفه. فلذلك اخترت لهذه القصيدة هذا العدد تفاؤلاً لك بالصحة، واستكمال قوتك.
وقيل: كانت سن الممدوح حينئذ أربعين، وهي ترى الجسم من استكمال القوة وبلوغ الأشد أربا لا يراه فيما يُزادُه من السنين، بعد الأربعين لنه بعدها كل عام آخذ في التحويل ومنعكس إلى التحلل.
وله ايضا:
) نَسيت ولا أنسى عتاباً على الصدِّ ... ولا خَفَراً زادتْ به حُمرةُ الخد (
الخَفَر: شدة الحياء، وهو من علل حُمرة الخد. وقال: زادت به حُمرة الخد، ليشعر أن هنالك حمرةً طبيعية سوى الحمرة التي يولدها الحياء، لأن حمرة الحياء عَرَضٌ سريع الزوال، إذا زال الحياء زالت. وكذلك مثلت به الحكماء الأعراض السريعة الانتقال، فقالوا: ذلك كحُمرة الخجل، وصفرة الوجل.
) ولا ليلةً قصرتُها بقصُروةٍ ... أطالت يدي جيدها صُحبة القعدِ (
قَصرتها: جعلتها قصيرة، اي ضد الطويلة. والقصُورة: المرأة المقصورة الممنوعة، أراد قصرتها بوصال قصُورة. وقصيرة لغة في قصُورة.
) أطالت يدي في جيدها صُحبة العقد (: اي اعتنقتها معظم ليلي او كله، فصحبت دواعي عقدها. واليد هنا: كناية عن كُلية الذراع، كقوله تعالى:) فاغْسِلُوا وُجُهَكُمْ وأيدِيَكُم إلى المرافِقِ (.
) فإما تريني لا أقيمُ بلدةٍ ... فآفهُ عمدِي في دُلُوقي من حدِّي (
اي بأني سيف ماضٍ كثير الدُّلُوق من حدي. فغمدي متغير مُنقد، لكثرة تحريكي فيه وقلقي. وضرب السيف مثلاً لنفسه، والغمد مثلاً لجسمه، والدُّلُوق مثلا لحركته. اي تنقلي في البلاد يُشجيني ويرث بزتي. وقد فسره بقوله بعد هذا:
) تُبدلُ أيامي وَعيشي وَمَنزلي ... نجائبُ لا يُفكرون في النحس والسعدِ (
) إذا لم تُجزهُم دار قومٍ مَودةٌ ... أجاز القَنَا والخوفُ خيرٌ من الوُد (
اي هؤلاء الفتية إذا مروا بقوم لا يودونهم، فراموا صدهم، حاربوهم، فأجازتهم الطريق رماحهُم،) والخوفُ خيرٌ من الُود (. اي لأن تُخلف خيرٌ من أن تُود وترحم، كقولهم في المثل السائر:) رَهَبُوتٌ خيرٌ من رَحَموت (.
ومن أمثالهم:) أوفرقا خيراً من جُبين (: اي إذا فَرِقوك فرقا يكون ذلك الفَرَق خيراً من حُبين.
وهذا كقول دُويد بن نَهْدَ في توصيته لبنيه:) أخيفوا الناس وارعوا الكلأ (.
واراد: أجازهم القنا إياها، فحذف المفعولين، لأن في قوله:) إذا لم تُجزهم دار قوم (، ما يدل على هذا المحذوف، إذ دل الأول على الثاني، والثاني على الأول، فاستُجيز الحذف فيه، كقوله تعالى:) يَوَم تُبدل الأرضُ غير الأرْضِ والسَّمَوات (اي والسماوات، فحذف الثاني الذي هو الأول المذكور في المعنى أولاً.
) كفانا الربيعُ العيس من بركاته ... فجاءته لم تسمع حُداء سوى الرعدِ (