) خَلَفت صِفاتُك في العيون كلامهُ ... كالخطَّ يملأ مسمَعَي من أبصرا (

اي أن حسادك لم يجودا بُدا من أن يدعوك رئيساً، إذ لو حَجضدوا ذلك لما جُومِعُوا عليه، ولا طُووعوا بالإجابة إليه. لكن لم يبلغوا الغاية في إنصافك، حين لم يسموك الرئيس الأكبر. وأنصفك خالقك، فدعاك بما قصروا هم عنه، فدعاك الرئيس الأكبر. ثم أقام البرهان على هذه الدعوى الحقيقية. فقال: لك صفات توجب لك أن تسمى الرئيس الأكبر، فكأنها خُط فيها حكاية قوله تعالى:) إنك رئيس (وإن كنت لا تسمع.

) وَترَى الفَضِبلة لا ترُدّ فضيلةً ... الشمس تشرقُ والسحابَ كَنَهورا (

الكَنَهور: السحاب المتراكم: أنشد سيبويه: كنهورٌ كان من أعقاب السُّمى وإشراق الشمس وتكاثف السحاب، فضيلتان ذديتان. والضدان مختلفان؛ لا مؤتلفان. ومُعْتقبان لا ملتقيان. وهذا الممدوح قد جمع إشراق الشمس، وتكاثف السحاب، لأنه مستبشر الوجه جميله، مستبشر النيل جزيله، فالإشراق بشره وجماله، والأمطار برُّه ونوالُه، وهذا كقوله فيه: وأحسنُ ذي وجهٍ، وأسمعُ ذي يدٍ وأشجعُ ذي قلب، وأرحُم ذي كِبد فجعله حسناً سمحاً بهذا، كوصفه إياه بالشمس والسحاب، فيقول: ليت هذه الباكية التي أبكاها نواي عند وداعها إياي، شهدت ما شهدته من هذه القضية، فتعذرني فيما رأتني عليه، من اجتماع النية، وإزماع الطية، إلى هذا الممدوح، لمشاهدة ما فيه من الأمر العجيب، والفضل الغريب.

وقله:) الشمسَ والسحابَ (، بدل من الفضيلة، وهو محمول على المعنى، لان معناه، فترك فضيلتين لا تَتَرادان، على ما هما به من كونهما نوعين متضادين، ولو قال) الشمسَ والسحابَ (لكان حسنا، لكنه تمم بقوله:) تشرق (لقوله:) كَنَهورا (، في صفته، فإذا وقع التناهي، فكانت الشمس مُشرقةً، والسحاب كَنَهوراً، لم يمكن اجتماعهما.

وله ايضا:

) كُلما قال نائلٌ أنا منهُ ... سَرَفٌ قال آخرٌ ذا اقتصادُه (

اي كلما استعظم منه نائل يُعد سرفا، أعقبه نائل أعظم منه يَعُدُّ ذلك النائل الأول الذي كان يستسرف اقتصاداً، بإضافته إلى الثاني، وليس للنائلين منال، لكن القول لما كان من أجملها، نَسب القول إليهما.

) قَلدتني يمينهُ بحُسامٍ ... أعقبت منه واحداً أجدادُه (

اي نُسب إلى الهند، كما ينسب الشريف إلى الجد.

يقول: إن الهند لم تطبع له نظيراً يكون له ثانياً، فقد أعقبت منه واحداً، و) مِنْ (ها هنا للجنس. ولولا القافية لقال: آباؤه، مكان قوله) أجدادُه (، لان الجد اعم من الأب، فكل جد اب، وليس كل أب جدا.

) كُلما استُل ضاحَكَتهُ إياهُ ... تزعُم الشمسُ أنها أرآدُه (

اي كلما استُل هذا السيف، ضاحكته أنوار فرنده، تدعى الشمس أنها أرآدُه، وأرآد الضُحى: ماؤها ورونقُها. فيقول: الشمس تدعى إنها من ماء هذا السيف، وأراد أنها أرآده من أجلها، اي من أجل الإياة. وقد يجوز أن يكون الأرآد هنا: جمع ريد، وهو الترب والمثل، والأول أسبق.

) مَثلُوه في جفنهِ خِيفة الفقد ... فقد مِثلِ أثره إغمادُه (

أثر السيف: فرنده. يقول: حلوا جفنه بالفضة، فهو يحكيه بياضاً وصقالاً، وعلى الفضة نقش سواد، يحكي أثره نقشا، فكأنهم إنما فعلوا ذلك، لأنهم لم يصبروا عنه لجماله حين واراه الغمد، فصوروا عليه مثل صورته، لئلا يفقدوه البتة، هذا معنى قوله: خشية الفقد، اي خشية فقده.

) فَرَّسَتنا سَوابقُ كُن فِيهِ ... فَارَقت لبده وفيها طرادُه (

فرستنا: يعني هذه الخيل السابقة، التي جاءته مع السيف، في جملة عطايا أبى الفضل. وقوله: كُن فيه، الهاء راجعة إلى الندى.) فارقت لبدء (: اي فارقت سرج هذا الممدوح إلى سَرجي، واللبد ليس بكلية السرج، ولكنه طائفة منه، فكنى به عن كُله، ومثله كثير) وفيها طرادُه (: اي ذكرها سائر في الارض، فكأنها بعدُ في طرا، وإن استراحت لدينا. وإن شئت قلت: إن هذه الخيل تغيظ الأعداء، وتخشى الحساد، تعين على النوب، فكأنها غير مُنفكةٍ من الطراد، وإن كانت مستريحة، لان ذلك عملها بالبقوة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015