) وَيَجْهَلُ أبى مالك الأرْضِ مُعْسِرٌ ... وَأنِّى على ظهر السِّماكين رَاجلُ (
ومن جاهل: معطوف على) صائب استه (. أي أنه قد اشتمل بالجهل وَلاَ يَعَلمُ أنه جاهل، بالغ في استجهاله، فلم يُبق له أثراً من العلم، إذ لم علم أنه جاهلٌ لكاَن له جزٌ من العلم.
وكذلك أيضا بالغ في استجهاله بقوله:
ويَجلهُ على أنه بى جاهلُ
يقول: لا علم له البتة، وكذلك يجهل قدري عند نفسي، فلا يعلم أني إذا ملكت الرض، كنتُ مُعِدمِاً عند نفسي، لقصر ذلك عن قدري، وأني إذا علوتُ السماكين، كنت عند نفسي راجلاً، لأنَّ ذاتي أعظم قدراً وأكرم خظراً. و) مالكَ الأرض (: حال، والنية فيه الانفصال، أي مالكاً للأرض. والظرف في قوله:) على ظهر السِّماكين (متعلق بمحذوف أي مستقراً على ظهر السماكين، وهو حال، فالمجرور في موضوع الحال، وأراد على) ظهور السماكين (، أو) ظَهْرَى السِّماكين (فوضع الواحد موضع ذلك. ومثله كثير، وحسَّن ذلك أن السِّماكين يذكران كثيراً معاً، فصار كالواحد.
) فما وَرَدَتْ رُوحَ امرىءِ رُوحُه لَهُ ... ولا صَدَرتْ عن بَاخِلٍ وَهُوَ باخِلُ (
أي لم تَرِدْ سُيوفُنا روحَ امرىء إلا صار لغيره، إما بكونه إلى العنصر فَقَدر أن يبخل عليها بهما، أو بواحدة منهما.
) يُخَيَّلُ لي أنَّ الْبِلاد مَسَامِعِي ... وَأَنِّيَ فيها ما تَقُول الْعَواذِلُ (
خُيِّل له السيء وخيل إليه: أي شُبِّه حتى حسبه كائِناً، ويقول: قولُ العواذل لاَ يْثبُتُ في سَمْعي، كما لا أثْبُت أنا في بلدٍ. أراد: وأني فيها ما يقول لي العواذال، من النهى لي عن التغَّرب وضُروب التَّصرُّف، كقوله:
أواناً في بيوتِ البدْوِ رَحْلِى ... وآوِنةً عَلَى قَتد البعير
ومثلُ هذا كثير في شعره.
وله أيضاً:
) ابْعَدْ بَعِدْتَ بياضاً لا بياضَ لَهُ ... لأنت أَسْودُ في عَينِي من اّلْظُّلَمِ (
ابعْدَ: أي اهلك. بَعِدَ الشيءُ بعداً: هَلَك، وبعُدَ بُعداً: ضد قَرُب. ودعاؤه عليه بالبَعَد: أبلغ من دعائه عليه بالبُعد، لنه إذا هَلَك فقد صار إلى العَدَم، وإذا) بَعُد (كان في الوجود وإن لم يُقْرب. والبعَد أمْحى له من البُعد. وقوله) بَياضاً لا بياضَ لَه (: أي لا بياض له في الحقيقة، ولا يحدث عنه بشر ولا فَرَح.
والعربُ تَصِفُ الحُزنَ بالسَّواد، والسرورَ بالبياض. وهو معنى وله تعالى:) يَوْمَ تَبْيضُّ وجوهٌ وَتَسْودُّ وجوهٌ (. قال:) وإذا بُشِّرَ أحدُهم بالأنْثى ظلَّ وجهُهُ نُسْوداً (وأراد:) ابْعَد بَعِدت ذَا بياضٍ (، لأنه إنما يخاطب الشَّعْر الأبيض، ولا العَرَض الذي هو البياض.) لأنت أسود في عيني من الظلم أيها الشيب.
فأما قوله:) أسْوَدُ في عيني من الظلم الُّظلمَ (، فخطأه فيه قوم. قالوا: إن) فِعْل () أَفْعَلِ (هذا على أكثر من ثلاثة أحرف، وهو) اسْوَدَّ (فلا تقع المفاضله فيه إلا بأشَدّ وأبْيَنَ وغيرهما من الأفعال الثلاثية، التي تصاغ نُيوَصَلَ بها إلى التعجب من الأفعال التي على أكثر من ثلاثة.
وهذا منهم غلط. ليست) أفعْل (هنا للمفاضلة، ولا) مِن (متعلِّق بأسود، على حد تعلّق) مِنْ (بأفضل في قولك: زيد أفضل من عمرو. وإنما هو كقولك لأنت أسود، ومعدود من الظَلمِ في عيني.) فَمِن (غير متعلقة بأسْود، كتعلُّق) مِن (بأفعل التي للمفاضلة، وإنما هي في موضع رفع، حالَّةً محل الظرف، بمنزلتها في قول الأعشى:
فلست بالأكثر منهم حَصىً ... وإنما العزَّةُ لِلْكاثِرِ
فلا يجوزُ أن تكون) مِنْ (متعلقةً بالأكثر، لأن اللام تُعاقِبُ مِنْ وإنما هي هنا بمنزلة الظَّرف. وذلك جعل الفارسيّ) مِنْ (هنا بمنزلة ساعة في قول أوس بن حجر:
فإنا رأينا الْعرضَ أحْوَج ساعةً ... إلى الْصَّوْنِ من ريطٍ يمانٍ مُسَهَّم
) بحُبِّ قاَتِلَتى والشيبُ تَغْذِيَتَى ... هَواى طِفْلاً وشَيبى باَلُغَ اْلُحُبم (