وكان أضر فيهمْ من سُهيلٍ ... إذا أوفى وأشأم من قُدارِ
وقال المنجمون: طُلوع سُهيل طلوع ضُرٍّ وويل. فيقول هو: طلوعي ضرر على أولاد الزنا. ولم يعن بذلك أنهم لزنية في أنسابهم، إنما أراد أنهم يعتزون إلى الفضل وليسوا منه، كما ينتسب بنُو الزنا إلى غير آبائهم. وسُهيل: اسم جاء على بناء التصغير وله ايضا:
) مَلامُ النَّوى في ظُلمِها غايةُ الظُّلم ... لَعلَّ بها مِثلَ الذي بي مِنْ سُقْم (
أي أن ملامى للنوى في ظلمها لي، واسئثارها بمحبوتي غاية الظلم، لأن في الإمكان، وطبيعة تأثير الزمام أن تكون النوى عاشقةُ لهذا المحبوب كعشقى، فيورثها ذلك سُقما كَسُقمى، فالحكم ألا ألومها، لأن من لم يُؤثر عليك إلا نفسه فليس بمؤثر عليك أحدا.
وبالغ بقوله: غاية الظلم، مُدرا أن بالنوى من الوجد مثل ما به. وذكر السُّقم ولم يذكر العشق استغناء بذكر المسُبب عن السبب. واراد ملامى للنوى، فأضاف المصدر إلى المفعول، كقوله تعالى:) لايَسْأمُ الإْنسانُ من دُعاءِ الَخْيْر (.
) طِوال الرُّدَينَّيات يَقْصفُها دَمِى ... وبِيضُ الْسُّريْجِيّات يقطُعها لحْمِى (
إن شئت قلت: إن دمه يقصف الرمح بحدته وقوته، أي أنه أقوى من الرمح.) وبيض السُّريجيات يقطعها لحمى (: أي أنه احدُّ من السيف، فهويؤثر في السيف تأثير السيوف في غيره.
وقد يكون أن الرماح والسيوف تنبو عنه، ولا تؤثر فيه البته. فكأن دمه كَسر الرمح، وكان لحمه قطع السيف. وقد يجوز أن يهنى أنه من نفسه وعشريته في منعة. فإذا أصابه طعن أو ضرب، أكثر الطعن في طلب ثأره، حتى تتقصف الرماح، وتتقطع السيوف.
) مُذلُّ الاعِزَّاء المُعزُّ وإن يئن ... به يُتمُهم فالمُوتمُ الجابر اليتم (
أي مذل مخالفيه المعادين له، معز محالفيه المعاضدين له. وإن يئن: أي يقرب به يُتمهُم، أي يُتم أبنائهم بقتله أباءهم، فإنه يجبر يتمهم بعوده عليهم؛ واكتفاله إياهم بعد الآباء.
وقد يجوز أن يوتم قوما ويجبر يتم آخرين، لم يكن هو الذي أيتمهم.
) إذا بَيَّت الأعداء كان اسْتماعُهم ... صرير العوالي قَبل قَعقعةِ اللجم (
أي يطوى سره؛ ويخفى حسه، حتى يكاد يُخرس اللجام فلا يخرس. وهذه مبالغة في طي الخبر.
) وقد الحزم حتى لو تعمد تركه ... لألحقهُ تضييعه الحزم بالحزْم (
أي أن حرمه طبيعي؛ فلو تعمد تركه لا نعكس تضييعه الحزم حزماً، إذ ليس قوته غير ذلك.
) وفي الحرب حتى لو اراد تأخرا ... لأخره الطبعُ الكريمُ إلى القُدْم (
أي أن طبعه إتيان الفضائل، وتنكب الذائل، فلو رام التأخر ممتحناً لطبيعته تلك، لتأبى عليه الطبع، فرده إلى التقدم.
وقد اطرد هذا المعنى في غير هذا الموضع من هذا الشعر، كقوله:
) لَهُ رحمةٌ تحيى العظام وغضْبةٌ ... بها فضلَةٌ للجُرم عن صاحِبِ الْجُرمِ (
يُحيى العظام: مبالغة في قوتها على الإحياء. وغضبةٌ: أي إذا إغضبه المجرم الجاني تجاوز له غضبه قدر جُرمه، فاما تجاوز به قدر جرمه فإهلكه، وإما تهاون به فتركه.
) دُعيتُ بِتقريظيك في كل مجلسٍ ... فظَن الذي يدعُو ثَنَائي عليكَ اسْمِي (
أي أن لزمتُ مدحك، وخصصت حمدك، حتى عُرفت بذلك، وغلب على اسمي العلم وكُنيتي ونسبي، وظن الذي يدعو ثنائي عليك اسمي: أي قيل لي: با مادح ابن إسحاق، ذهاباً إلى أن ذلك اسمي لا اسم لي غيره، وأراد يدعوني، فحذ المفعول. ثنائي واسمي: مفعولا ظن. وإنما أراد الصفة المشتقة من ثنائي عليك، كقوله: يا حامد، ويا مادح. ولم يرد المدح ولا الحمد، لأنهما عرضان، والمسمىجوهر، فلا يُدعي الجوهر بالعَرَضِ.
) وَثقناَ بأن تُعطى فلو لم تَجُدْ لَنا ... لَخِلْنَاك قد أعطيتَ من قوَّةِ الوهمِ (
يذهب إلى أنه لو عدم فضيلة في وقت، لُظن فيه أنها موجودة أو تُيقنت وذلك لما يُعتاد من وجود الفضائل فيه، وهذا كالصادق يَكْذب فيُتوهم كِذْبه صدقاً، لما جرت به العادة من صدقه.
وقد عظم إعياء أبى الطيب في هذه القصيدة جداُ.
فمن ذلك أنه عكس المر بين الفاعل في بيته الذي هو) طوال الرُدينيات. . . (.
ومنه: أنه جعل الضِّد ينقلبُ إلى ضده كقوله:) لألحقَه تضييعه الحزم بالحزم (. وليس من شأن تضييع الحزم أن ينتج الحزم.
وكذلك قوله