وهذا مثل ضربه لمن طلب من الشكر أكثر مما يوجبه له نداه والشِّباَك جمع شبكة كرقبة ورقاب، وَرحبة ورِحاب.

) أتَتْركُني وعيُن الشمسِ نَعلي ... فَتَقْطعَ مِشيتي فيها الشرَاكا (

اي بكوني في حاشيتك، واعتدادي في صاغيتك، شَرُفت وعظمت حتى عدت كأن عين الشمي نعلي؛ فإذا فارقتك، كنت كمن مَشى بهذه النعل، فانقطع شِراكها، فسقطت، فكان اختلال جزئها، سبباً لعدم كلها.

وإن شئت قلت: كساني قصدك شرفاً، صارت به عين الشمس لي نعلاً فإذا بَعُدتُ عنك، أخللتُ ببعض ذلك الشرف، لا بكله، فكأني قطعت الشراك الذي هو بعض النعل، فجعل الشرف كعين الشمس، وجعل فراقَه لعضُد الدولة المشْىَ فيها، وجعل بعده عنه بمنزلة انقطاع الشراك، الذي هو سبب الإخلال بالنَّعل، ولم يتوقع في كل ذلك إخلالاَ كليا، لأنه كان مُزمعاً للعودة إليه. ألا تراه يقول:

لعلَّ الله يَجعلُهُ رحيلاً ... يُعينُ على الإقامَةَ في ذَرَاكا

وقوله:) فتقطع مِشيتي فيها الشراكا (: نصب فيه) تقطعَ (، لأنه جواب الاستفهام، والكلام متضمن معنى الجزاء. اي إن تتركني أسيرُ وقد انتعلت بعين الشمس، قطعت مِشيَتي شِراك نعلي.

وإن شئت رفعتَ على القطع، اي فإنها تُقطع، ولا يكون عطفاً على) أتتركني (لأن قَطعَ مِشيَتهِ شِراك النعل، ليس داخلاً في حد الاستفهامن ومعنى هذا الاستفهام الإنكارُ والتقرير، اي كيف تتركني على ما أنا به من الرأي، وأنت تعلم أن الذي أنا عليه من ذلك سَفَه.

) قد استشفيتَ من دَاء بداء ... وأقتلُ ما أعلكَ ما شَفَاكا (

الداء المستشفى منه: تشوقه إلى أهله أيام كونه بشياز، وأهله بالكوفة؛ والداء المُستشفى به من ذلك الداء: فِراقه للمَلك. فيقول أما الآن حين أزمعت الإياب إلى أهلك استشفيت من داء الشوق بفراق هذا الملك، وفراقك إياه أعودُ عليك بالألم.) وأقتل ما أعلك ما شفاكا (؟ اي أقتل ما أعلك الآن؛ فراقُك لأبي شجاع، على أنه قد شفاك من شوقك إلى أهلك، فكان اشتياقك كالمرض، ومزاولتك لهذا الملك حين أزالت شَوقك كالموت المذهبِ لألم المرض، وهو أشد من الم المرض.

ثم يُخَرج قوله) وأقتل ما أعلك ما شفاكا (على طريق العموم، فيصير مثلاً، كقوله: أرى بصري قد رَابني بعدَ صحةٍ. وحَسبُك داء أن تَصح وتَسلمَا وكذا:

ودعوتُ ربي بالسلامةِ جاهداً ... ليُصحني فإذا السلامة داءُ

وموضوع بيت المتنبي أولى:

) وأن البُخت لا يُعرِقن إلا ... وقد أنضى العُذافرةَ اللكاكا (

البُخت: جمع بُختى، فحذفت ياء النسب في الجمع، لأنها بمنزلة التأنيث، في أنها داخله على الاسم بعد تمامه، ألا تراهم قالوا ثمرة وثمر، ونخلة ونخل.) ويُعرِقن (: يأتين العراق. و) أنضى (: أهزل و) العُذافرة (: العظام. أخبر عن جماعة ما لا يعقل بشكل الواحد. حكى سيبويه عن العرب: الجمالُ ذاهبة وذاهبات. ولا أقول) العُذافرة (هاهنا واحدة، لان نَدى فَناخُسر عنده، أعظم من أن يصفه بأن تستقل به ناقة واحدة. واللكاك: الأنيق الشداد، وهي اللحِمة أيضا هنا. حكى سيبويه: ناقة لكاك، وأينُق لِكاك. والقولُ في هذا، القول في دِرعٍ دِلاَص وأدرع دلاص. قان الكسرة التي في الجمع غير التي في الواحد؛ والألف غير الألف. وقد أعدتُ هذا القول مرارآ لأونس به المستوحش، فاني رأيتُهم عند تفسيره لهم دَهشين. ولو فهموا كلام سيبويه، أنسُوا إليه.

ورواه بعضهم:) اللُّكاكا (. وفُعال: من الجمع العزيز؟ إلا أن له نظائر جَمة، كعرق وعُراق، وثنى ةثُناء. وذد ذكر سيبويه وأهل اللغة منه حروفاً جمة. وعليه وجه الفارسي قراءة من قرأ) إنا بُرآء مِنكُم (. قال: هو جمع برِئ كَفَرير وفُرارٍ، يعني ولد البقرة. وجعل بعضعهم الفرار لغة في الفرير. ونظائره عَريضة أريضة.

ومعنى البيت: ولَيتَ النوم حَدث هذا المحبوب الذي يريه إياي في النوم؛ حُبه لي، وتوحُّشه نحوي، أن البُخت لا تبلغ بنا العراق حتى يُضيها او يُفنيها ما تَحَملته من نَداك، لثقل ما حَملتها إياه، من البُدرو والخلع وهذا نحو قول أبى العتاهية يصف الإبل.

فإذا وردن بنا وَرَدْنَ مُخفةً ... وإذا صَدَرْنَ بنا صَدًرنَ قالا

والضمير في) أنضى (: راجع إلى النَّدى في قوله:) فليت النومَ حَدَّث عن نَدَاكا (.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015