) وكَمْ طَرب المَسامع لَيس يَدري ... أيعجبُ من ثنائي أم عُلاَكا (

) وذاكَ النشرُ عِرضُكَ كان مِسكا ... وذَاك الشعرُ فِهرِى والمَدَاكا (

اي طرب السامع لا ستماع شعري، ليس يدري أيًّ الأمرين أولى بالتعجب منه، أجودة شعري فيك، أم رفعة عُلاك في ذاتها، لأن شعري متناهٍ في نوع الشعر. وعُلاك متناهية في نوع العُلى؛ فقد تساويا في السبق والفضل. ولولا البيت الذي بعد هذا، لعُدَّ جَفاءً من المتنبي، لتسويته شعره في نوعه بعُلا الملك في نوعها، لكن حَسُنَ ذلك بالبيت الذي اردَفه به، فيقول: الأريج الذي ذاع وشاع لشعري، إنما هو لعرضك السليم الكريم، فن عرضك هو المسكُ الذي إنما طبعه الطيب لذاته لا شعري. وإنما شعري هو بمنزلة الفهر والمَدَاك، الذين يُظهران فوح المسك، وينشران نَشْرَه، لان المسك إذا سُحق كان أسطع لَعرفه، وأشيَع لِفَوْحه.

وأما شعري فلم يك له في ذاته طيب، إنما كان كالالة للطيب، ألا ترى أن آلة الطيب ليس في طبيعتها فَوْحٌ، إلا بحسب ما تعلق بهذا من الجوهر الذي صُرفت في صنعته. وقوله) ذاك النشر (: ذاك مبتدا، والنشر صفة له، وعرضك: خبر المبتدأ. وأراد: وذلك النشر نشرُ عِرضك.

هذا إن عنى بالعِرض الإناء والذات، لأنها جواهر، والنشر عَرَض، فلا يخبر عن العَرَض بالجوهر. فلذلك احتجنا إلى تقدير حذف المضاف، كما احتجنا إليه في قوله تعالى:) ولكن البرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ (وذهب سيبويه إلى أن التقدير:) ولكن البر برُّ من آمنَ بالله (، اي إيمانُ من آمن بالله لأن) البرَّ (عَرَض، و) من آمن بالله (: جوهر، فَقَجر الحذف مضافاً، ليخبر بالعَرَض عن العَرَض.

قال الفارسي: وقد يجوز أن يكون التقدير، ولكن أهل البِرّ مَن آمَنَ بالله، وذلك لتقابلُ الجوهر بالجوهر لأن أهل البر جوهر، و) من آمن بالله (كذلك فيخرج إلى باب) هو هو (لأن أهل البر هم المؤمنون بالله، وإن جعلت العَرَض هنا المَجد وسائر أنواع الفضائل، لم يحتج إلى حذف المضاف، لأن النشر والمجد كلاهما ليس بجوهر) وذاك الشعر فِهري والمدَاكا (: اي وكان ذاك الشعر. وقوله) كان مِسكاً (إلى آخر البيت: تفسير لقوله:) وذاك النشر عرضك (. والمَدَاك: صلاية العطار، دُكتُ الشيء دَوكاً: دققته وكان القياس) مدوَكاً (: لأن بناء ما يُعتمل به) مِفَعل (، لكنه شذ كما شذ المُسعُط وأخواته، وإن اختلف بناؤهما، فقد التقيا في الشذوذ.

) فلا تَحمدهُما واحمَد هُماماً ... إذا لم يُسمِ حامِدُه عَنَاكا (

اي لاتحمد الفِهر والمَدَاك اللذين عنيت بهما شعري، لأن حقيقة الطيب ليس لهما، فلا يستحقان شيئاً من الحمد، وإنما ينبغي لك أيها الملكُ أن تحمد نفسك التي اقتنت المساعي، وأنبتت المعالي، باسندعاء القوافي، والثناء الوافي ويعني بالهُمام نفس المَلِك.

وقوله:) إذا لم يُسمِ حامده عناكا (: الهاء راجعة إلى الهُمام، وأخبر عنه كما أخبر الغائب، لأنه قد أخرجه ذلك المخرج لقوله) وأحمدْ هُماما (فلم يكن بُدٌّ من أن يعيد إلى الموصوف ذكراً من صفته، لأن قوله) إذا لم يُسمِ حامده (في موضع الصفة) لهمام (، وأراد إذا لم يُسمك حامُده، وإذا لم يُسم حامده محموداُ، فإنما يعنيك.

وإن شئت قلت: معناه: لو لم يُسمِك الحامد لعناك، والقولان متقاربان والمعنى مشتق من قول أبى نُواس.

إذا نحن أثنينا عليك بصالحٍ ... فأنت كما نُثني وفوقَ الذي نُثنيِ

وإن جَرت الألفاظُ يوماً بِمِدحة ... لغيرك إنساناً فنت الذي نعني

ولو قال:) إذا لم يُسمِ حامُده عناهُ (كان حسنا، ولكنه حمله على المعنى، لأن المراد في كل ذلك المخاطبة.

) أغرُّ لهُ شَمائلُ من أبيه ... غداً يلقي بها أباكا (

اي قد أخذت شَبه أبائك، صورةً وفعلاً، وبنوك يستكملون شَبَهك لأنهم الآن يُشبهونك بعض الشبه، إذ لم يستكملوا خصالك، فإذا استكملوها أشبهوك، وإذا أشبهوك وأنت تشيه أباك، فقد أشبهوا أباك. وهذا يتألف في الشكل الأول من المنِطق. تقول: زيد يشبه عَمْراً وعمرو يشبه خالداً، النتيجة: فزيد يشبه خالداً.

) وفي الأحْبَابِ مُخْتَصُّ بَوَجْدٍ ... وآخرُ يَدعىِ مَعَه اشتِراكَا (

يُومئ إلى أن وجْدَه لفرِاق عضدُ الدولة طبيعي لا عَرَشي، وإن كان غيره يدعي مثل ذلك، فليس ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015