المفزع: المستغاث. ودعته: سمته. فيقول: دعته هذه الدولة عضد الدولة، لان الأعضاء إنما تدفع عن نفسها بالعضد، وهي حاملة اليد، فكذلك هذه الدولة، لما وجدت مَفْزَع أعضائها بالعَضُد، دعته عَضُدها. فقوله:) بمَفزع (في موضع المفعول الثاني؛ لأن هذه) دَعَوتُ (التي بمعنى سميت تقول: دعوته زيداً، ودعوته بزيد، كقولك سميته إياه، وسميته به.

قال سيبويه حين ذكر هذا النحو. وكذلك دَعَوته التي تجري مَجرى سَمَّيتهُ، يعني إنها تتعدى إلى مفعولين: كطما يتعدى سميته إليهما. قال: فإن أردت الدُّعاء إلى أمر، لم تجاوز مفعولاً واحداً. يعني نحو التي في قوله تعالى) سَواءٌ علكْيم أدَعَوتموهُمْ أم أَنْتُم صامتُون (: وكقوله له سبحانه:) أجِيب دعوةَ الدَّاعي إذا دَعان (وقوله:) ليوم الحرْب (. اي إلى يوم الحرب.) بكْرٍ أو عَوانِ (: يدل من الحرب. وقد بين معنى هذا البيت بقوله:

) بعَضدِ الدولةَ امتَنَعَتْْ وعَزتْ ... وليسَ بغيرِ ذِي عَضُد يدانِ (

اليدان: إما أن يكون هما الكفين، وإما أن تكون القوة. حكى سيبويه: لا يدينِ بِهالك، لم يَعنِ) تثنية اليد (، فنفي الجارحتين؛ ولكنه نفي القُوة. وأراد:) لايد بِهالك (، فوضع الاثنين موضع الواحد الدال على الكثرة؛ فدلت التثنية من الشياع على ما يدل عليه الواحد الدال على الكثير أعني المنفي بلا؛ لأن ذلك الواحد متفرق للنوع المنفي بها.

وقد تجيء التثنية تدل على الكثير. أنشد الفارسي للفرزدق: وكلُّ رَفيِقيْ كلِّ رَحلْ ونظيره قوله تعالى في صفة السماء:) فارجع البصر هلى ترى من فُطُور، ثم ارجع البصر كَرَّتين (.

) فَكَّرتين (في موضع كَّراتٍ. والدليل على ذلك قوله.) ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حَسِير (. فلو أمره أن ينظر في السماء كرَّتين فقط؛ فنظر مرتين، لم يرجع البصر خاسئاً وهو حَسير، لان البصر لا تيَحْسر من مرتين، انما يَحسِر من مرات. هذا تفسير الفارسي، بعد أن أعمل فيه إنعام الفِكر؛ وقدَّر ما فيه من وراء غلوة الحشر.

) كأنَّ دَمَ الجَماجِم فب العَنَاصي ... كَسى البُلدان ريش الحَيُقطانِ (

ريش الحيقُطان: واحمر. والعناصي: خُصل من الشعر. يقول: جرى الدم في عناصيهم فاختضبت فاحمرت، ثم تمزقت شعورهم في المُعترك وأطارتها الريح على الأرض؛ فكأن العناصي المحمرة المتمزقة ريشُ هذا النوع من الطير. وجعل الدم هو الذي كسا البُلدان، ذلك لأنه لولا الدم لم يُشبه العَنصوة ريشُ الحيْقُطان. و) في العناصي (. ظرف في موضع الحال، اي مستقراً فيها.

) وكانَ ابناَ عَدُوٍّ كَاثَراهُ ... لهَ يَاءي حُروف أنيسيانِ (

أنَيْسِيَان: تصغير إنسان، وهو أكثر حروفاً من مُكبره، لكن تلك الكثرة مشعرة بقلة، فلا غناء لهذه الزيادة التي فيه، لما يلحقه من التصغير، ونقيصة التحقير. فهو يدعو لفناخُسَر، فيقول: لا كاثرك ملك باثنين إلا كانا كالياءين اللتين في) أنَيسيان (، وكلتاهما زائدة، لاغناء لهما. وأيضا فإنهما للتحقير: الأولى للتصغير حقيقة، والثانية لا تلحق الا مع ياء التصغير، فهي بمنزلتها في الدلالة على التصغير. فلذلك قلت إنهما جميعاً للتحقير، ولم أعنِ أن ياء) أنيسيان (الأخيرة، وياء التصغير لا تكون أبداً إلا ثالثه. و) أنيسيان (من شاذ التصغير.

وله ايضا:

) فِدى لَك من يُقصر عن مداكا ... فلا ملكٌ إذن إلا فدَاكا (

) فَدَاكَ (يحتمل أن يكون قعلاً، واسماً.

) ولوْ قُبنا فِدى لَكَ من يُساوي ... دَعَونا بالقَاء لمن قَلاَكا (

اي أنه لا يساويك أحدن فلو قلنا: فدًى لك مساويك، لكان كقولنا: فدًى لك لا أحد، وقاليه: داخل في ذلك.

) وآمنا فِداءَك كلَّ نفسٍ ... ولو كَانت لملكةٍ مِلاَكاَ (

اي لو اشترطنا في فدائك المساواة، لأمن كل احد أن يكون لك فداء، وإن كان ملكاً، لأنه مع مُلكه ومِلْكِه مُقصِّرٌ عن مساواتك.

) وَمَن يظنُ نَثر الحبِّ جُوداً ... وَينصبُ تحتَ ما نثر الشباكا (

اي وفدى لك من أعطى وغرضه أن يستجر فائدة فاضلة بعطائه، بمنزلة القناص الذي يلقي الحَب للطير، وقد نصب الشبكة تحته لا قتناصها فلا ينبغي أن يحمد على ذلك، لأنه ليس جوداً في الحقيقة، إنما هو دعاء إلى هُلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015