وقيل: اراد ولو جعلت أصحاب الحراب من جيشك صواحب الحلي لقتلت بهن عداك، لأن السعد والبأس إنما هولك. واراد) طعنت باللآليء (فأبدل الهمزة إبدالاً محضاً، ليس على التخفيف القياسي، وإن كان مثله في اللفظ. وإنما أبدل إبدالاً كلياً غير قياسي، لمكان الوصل، لأن التخفيف القياسي في نية التخفيف. والهمزة المخففة لا يُوصل بها، فكذلك المخففة التي في نية المخففة لا يوصل بها. وقد بينت ذلك غير دُفعة في هذا الكتاب، وفي غيره من كتبي. وإنما اعدته لظرافته ودقته، وأنه لا يفهمه إلا الدرِب. فمن أنس به أحبه ووالاه، ومن نافره قلنا فيه؛ من جهل شيئاً عاداه.
وله ايضا:
) مَغَاني الشعبِ طيباً في المَغانِي ... بِمنزِلة الرَّبيعِ من الزَّمَانِ (
يعني بالشعب: شعب بوان وكان في طريقه إلى شيراز، مربه فأعجبه. يقول: فهذه المغاني في حُسنها بمنزلة الربيع في أرباع السنة. اي أن هذه المغاني أطيب المغاني وأعشبها كما أن الربيع آنق أرباع الزمن وأخصبهل.
جعل هذا المكان في جملة الأمكنة بمنزلة الزمان، أعنى الربيع في جملة الأزمنة، وهذا من عجيب الاقتران، أعنى تمثيله لمكان بالزمان.
) وَلكن الفَتَى العَربي فيها ... غَريبُ الوَجهِ والَيدِ والِّسَانِ (
بوان هذه؛ ي بلاد فارس، ولا عرب هنالك إلا غُرباء، فكنى بغرابة الأعضاء عن غرابة الجملة. وقيل؛ غريب الوجه، أن ألوان العرب الأدمة، واهل فارس بيض، وأما غربة اليد فقيل، إنه عنى به الخط، ولا يُعجبني، إنما عَنى به الجود، والجود للعرب. وأما اللسان فلأنهم أعاجم، والتفسير الأول هو الصحيح، أعنى أنه لا هرب هناك إلا قليل.
) إذا غنى الحَمامُ الوُرقُ فيها ... أجابتها أغانيُّ القيانِ (
اي أنها أرض طيب ورفاهية، واعتدال هواء، فإذا غنى الحمام فيها، جاوبتها القيان طرباً إليها، اي أن أهلها لا يتركون اللهو.
) وَمن بالشعبِ أحوجُ من حمامٍ ... إذا غنى وناح إلى البيانِ (
اي أن أهل بوان أعاجم، لا يُفصحون، كما أن الحمام كذلك. وجعلهم أحوج إلى البيان من الحمام؛ مبالغةً وإفراطاً في الكلام، إذ يوجد لغناء أهل بوان ترجمان، لأنهم أناسيٌّ.
) وقد يَتَقَارب الوَصفان جدا ... وموصُوفا هُما مُتباعدانِ (
اي هؤلاء الأعاعم في قلة الايضاح، وعدم الافصاح، كهذه الحمائمن وإن اختلف نوعاهما فهما متباعدان بالنوع، وذات الجوهر، متقاربان في عدمهما البيان.
ويحمل أن يريد أن الإنسان يقرب الموصوف بوصفه له، حتى لكأنه حاضر، ولكنه يبعد لعدم إحاطته بجميع أحواله، وغرائب أفعاله.
) وألقى الشرقُ مِنهَا في ثِيابي ... دنانيراً تَفِرُّ من البَنَانِ (
يصف شعب بَوان؛ وهي مدينة معروفة في طريق شيراز. والشعب: الطريق في الجبل. والشرق: الشمس. يقال، طلعت الشرق، ولا يقال غاب الشرق، فيعني أن شجر هذا الموضع أشب مُلتف، ضيق الخصاص، وهي الشُّعب التي بين الورق، فإذا طلعت الشمس تخلت أظواؤها خلال الورق، مستديرة كالدنانير من الذهب، في الشكل واللون، إلا أنها إذا حَلت الكف، فهمت بالقبض عليها حال ظل البنان بينهما؛ واعتراض دون ما في باطن الراحة من أشكال الضوء. وقد قدمتُ الفَرق بين تشبيهه إياها بالدنانير هنا، وبين تشبيهه إياها بالدراهم في قوله:
إذا ضوؤُها لاقي من الطيرِ فَرْجةً ... تَدَور فوق البيض مثل الدراهمِ
عن تفسير ذلك البيت. وقوله:) منها (اراد من نفسها، وصرف) دنانير (للضرورة.
) يحلُ به على قلبٍ شُجاعٍ ... وَيرحلُ منه قلبٍ جَبَانِ (
اي أنه إذا رأى أضيافه نازلين به، فرح فقويت ذاته وإذا رآهم راحلين ساءة ذلك، فضعف منه ما قوى.
فعلى هذا القول، تكون الشجاعة والجبن لقلب هذا الممدوح. وقد يجوز أن يكون ذلك. لأفئدة الضيفان، اي أن الضيف إذا نزل به وهو زاهد في الحياة، غير فرقٍ من الموت، لما لحقه من الكد والجهد، فرأى ما لدى أبي شُجاع من خصب المكان؛ ولين أخادع الزمان، والخفض والأمان، راقه ذلك، فأحب الحياة، وكره الوفاة، بعكس ما كان عليه.
) دَعتهُ بِمفزع الأعضائ منهُ ... ليومِ الحزب: بِكرٍ او عوانِ (