) فإن أتى حظُّها بأزمنةٍ ... أوسع من ذا الزَّمانِ أبداها (
اي فإن أتى حظ هذه الهمم التي لا يسعُ فؤادُ الزمان منها، إلا واحدة بأزمنة أوسع من هذا الزمان، أبدى الممدوح تلك الهمم، التي لا يبديها إلا أن يضيق الزمانُ عنها. و) حظها (هنا كقوله:) جَدُّها (. وقوله:) بأزمنةٍ (أحسن من قوله:) بزمان (، بعد أن يحتكله الوزن؛ لأن الجمع أبلغ من الواحد.
) وَصَارتِ الفيلَقَان وَاحدةً ... تَعثُرُ أحياؤُها بموْتاها (
واحدة: اي فيلقا واحدة، وإنما صارت الفيلقان فيلقاً لا ختلاطهما، حتى كأنهما اتحدنا. والهاء في) أحيائها وموتاها (: عائدة إلى الفيلق الواحدة.
) يُعجبُها قَتلُها الكُماة ولا ... يُنظرُها الدهرُ بعد قتلاَهَا (
اي إذا قَتَل الفارس فارساً أعجبته ذلك، ثم لا يلبث أن يُتاح له فارس آخر يقتله.
) وَدَارت النيراتُ في فلكٍ ... تسجدُ أقمارُها لأبهَاها (
عنى بالفلك هنا: ذات المعترك، حيث التقت الأملاك والأبطال الأنجاد. وكلا هذين القبيلين) أقمار (فهي) تسجد لأبهاها (يعني الملك.
) الفارسُ المُتقي السلاحُ به ... المُثني عليه الوغي وَخَيلاهَا (
يُتقي به السلاح، لأن السلاح لا يؤثر فيه، بل هو المؤثر فيها كقول الآخر:
اللابسينَ قُلُوبهُمْ ... فوقَ الدروع لدفِع ذلكِ
اي إن أفئدتهم أوقى لهم من دروعهم، لأنها أثبت صيانة، وأنشد منها حصانة، وثنى الخيل، لأنه أراد خيله وخيل عدوه، لأن الحرب إنما تقوم بطائفتين متضادتين. ولذلك قال بعض الأوائل، من الحكماء الأفاضل: الحرب حينئذ ذو طبيعتين متضادتين، اي قوامها ذلك فان بطل أحد الضدين بطل الحرب.
) لو أنكرت من حيائها يدُهُ ... في الحرب آثارَهَا عَرَفنَاهَا (
ذهب قوم إلى أنه يَجِلّ عن الفخر بتأثيره في عداه. فلو أنكرت يدُه ذلك لعرفنا أن هذه الآثار لها.
والذي عندي أن آثار مفاخره في العالم حِسان، وذلك بإغناء فقير، وافتكاك أسير، وبث فضل، وإقامة عدل.
أما آثاره في عداه فقبيحة الصُّور. لأنها إنما هي إفساد جواهرهم، وتغيير ظواهرهم وبواظنهم. قلو أنكرت يده هذه الآثار، حياء من قبحها، لعرفنا نحن أنها لها، لأنه يؤثر في العدي هذا التأثير إلا هي.
) وَكيف تَخفي التي زيادتُها ... وَناقعُ الموتِ بعضُ سيماها (
يعني يده، اي وكيف تخفي آثار هذه اليد، التي سوطها وناقع الموت جزء من سيماها. عنى بناقع الموت: السيف، وبالزبادة: السوط وذلك أنه يضرب بالسوط، ويقتل بالسيف. وإذا كان هذا بعض سيماها، ونتيجتها الضرب والقتل، فما الظن بكلية سيماها.
) الناسُ كالعابِدين آلهةً ... وعَبدُةُ كالمُوحدِ الله (
الآلهة: لا تغني عبادها، والله يغني عباده. يقول: فمن أمل غير هذا الملك، لم يستغن بواحد عن آخر، مع ما يُنتج له ذلك من قلة الغنى، ومن أمله كفاء، وأغناه، عمن سواه، كما يفعل ذلك بعبده الإله.
وله ايضا:
) عُددُ الوفُود العامدين لهُ ... دوُن السلاج الشُّكلُ والعُقُلُ (
اي لا يقصد المحاربون، لأنه لا يطمع فيه أحد، فلذلك لا يُعد له السلاح، وإنما يقصده الآملون، فعُددهم الشُّكل والعُقل، لأنهم يسألونه الخيل للحرب، والإبل للدية. ووفد العرب انما بغيتهم ذلك، فهم يُعدون الشكُل والعُقُل، ثقة منهم بهبته لهم يسألون.
) تُمسى على أيدي مَوَاهبهِ ... هيَ او بَقِيتُها او البَدَلُ (
اي أن مواهبة مستبدة بخيله وابله، لا مطمع للإبقاء فيها. وقد اجاد أبو الفتح في تمثيله اياه بقول العرب في الشيء إذا استبد به أمرٌ ما، فلم بك ابتزازه منه مَطمع.) وُضِع عَلى يَديْ عَدْل (.
ومعنى البيت: أن يهب جُودُه خيله، وخيار ابله لأوائل الوفود عليه، وما بعدها في المنزلة، وهي البقية، لمن يفد يعد الوفد الأول. حتى إذا لم يبق من خيله ولا ابله شيء أعطى بعدها العين والوَرق.