) او عَبَرت هَجمةٌ بنا تزكتْ ... تَكُوسُ بين الشُّروب عَقراها (

الهَجمة: القطعة من الإبل، قد اختلف في عددها. فقيل ما بين السبعين إلى المائة. وقيل أولها الأربعون؛ إلى ما زادت. يصف شُربه وقراه الأضياف، فيقول: تمر بنا إبُلها فنُعرقبها للضيفان، حتى تكوس اي تمشي على ثلاث وقيل تزحف على رُكبها. قال الأعور النبهاني يهجو غسان السَّليطي:

ولو عند غسان السليطيَّ عَرَّسَتْ ... رَغا فرقٌ منها وكاس عَقيِر

و) الشُروب (: يجوز أن يكون جمع شارب، كشاهد وشهود، وساجد وسجود، ويجوز أن يكون جمع شرب، الذي هواسم لجمع شارب عند سيبويه، وجمعنا لع عند أبى الحسن. لكن أن يكون جمع شارب أولى؛ لأنه إن كان اسم جمع على مذهب سيبويه؛ فجمع اسم الجمع في القلة كجمع الجمع، من حيث كانا مشتركين في الدلالة على الجمع. وإن كان الشرب جمعاً على رأي أبى الحسن، فجمع الجمع قليل، لا يحمل سيبويه صيغة الجمع عليه ما وجد عنه مندُوحة، إنما يقر بجمع الجمع إذا لم يجد سيبلاً إلى غير ذلك. ومن ثم ذهب الفارسي في قراءة قرأ) فَرُهُنُ مقبوضة (إلى انه جمع رَهْن؛ كسَجْلٍ وسُجُل، وسَقْف وسُقُف، واستجاز هذا على قلته، كراهية أن يحتاج إلى أن يقول إن رُهُناً: جمع رِهانٍ، ورِهان: جمع رَهْن. وإنما ذلك من أبى على فرار من جمع الجمع. فلهذا قلنا غن:) شُرُوب (: جمع شارب، أولى من كونه شَرب، فافهمه.

) تَقُود مُستَحسن الكلام لَنا ... كما تَقُودُ السحاب عُظماها (

اي إذا اعتبرنا مآثره، وامتثالنا مفاخره، لقنتنا مُستَحسن الكلام فيه، وفادته لنا، كما يقودُ السحابُ سحاباً.

) لو فضِنتْ خيلُه لنائلهِ ... لم يُرضها أن تراهُ يرضاها (

اي لو شعرت خيله انه إنما يُعدُّها للهبة، وإنه إنما يهب منها الخيار المرضية؛ لم تَرض هذه الخيل أن بُرى عنها راضياً، لان مارضي منها موهوب لآمله، ومبذول لسائله.

) تَسُرُّ طَرباتهُ كَرَائنهُ ... ثُم تُزيلُ السرورَ عُقباها (

الكرائن: جمع كَرينة وهي المغنية. والكران: العُود. اي إن الكرائن ذا غينه أطربنه، فوهب لَهُن، وسَرهن بذلك. ثم تجاوز الطربُ ذلك الحدَّ فيهبهن جميعهُنَّ للشُّروب فيأسْين لفراقه، فتزيل عُقبيَ الطرب سُرُورهُن لهبته إياهُن لنداماه. والهاء في) عُقباها (راجعة إلى الطَّرَبَاتز وكان حكم) طَرْباته (بتحريك العين لأنه جمه) فَعْلَة (اسماً، لكن الشاعر إذا اضطر سَكَّن مثل هذا، لإقامة الوزن، أنشد الفارسي:

أبتْ ذكرٌ عودن أحشاء قلبه ... خُفُو قاً وَرَقضاتُ الهوى في المفاصل

) بِكُل موهُوبةٍ مُولوِلةٍ ... قاطِعَةٍ زيرها وَمثناها (

) ولولتها (: أنينها لفقده، و) قطعها الزير والمَثنىَ (. ندم لمن حصلت عنده، ممن ليس نِده.

) تَعُومُ عَومَ القذاةِ في زيدٍ ... من جُودِ كفِّ الأمير يغشاها (

زبدٍك اي مُزبِد، ليس على الفعل، لأنا لم نسمع زبد، وإنما هو على النسب، اي ذو زبد، كما ذهب إليه سيبويه. اي هذه الموهوبة محتقرة في جملة عطائه كاحتقار القذاة في معظم التيار.

) لا تَجِدُ الخمر في مَكَارمهِ ... إذا انتشى خلةً تلافاها (

اي كرمه طبيعة، فسواء عليه صحا او سكر، لا يقع في كرمه تقصيرٌ قبل الخمر، ولا خلةً تسُدُّها الخمرُ. وهذا كقول البحتري:

يُكرم من قبل الكئوسِ عليهمُ ... لقلنا كريم هَيجَته ابنةُ الكَرْمِ

وأراد) تتلافاها (فحذف إحدى التاءين، كراهية اجتماع المثلين. وهذا مطرد في اللغة، و) انتشى (: سكر.

تُصاحبُ الراحُ أريحيته ... فتسقُطٌ الراحُ دُون أدناها

أريحية الراح: يتكرم بها اللئيم، ويزداد كَرما بها الكريم فهي على كل حال تُوجد مزية لم توجد قبلها، وأريحية الممدوح طبيعية بالغة غايةً تكون أريحيةُ السكر مقصرة عن أدنى منازلها. فكيف أن توجد فيها مزية لم تكن من قبلُ؟) تجمعت في فُؤاده جوهر، والدهر عَرَض، ولا يكون الجوهر جزءاً من العرض، ولكن استعاره له صنعة واقتداراً. وقد بين ذلك قوله:

ولو بَرزَ الزمان إلى شخصاً ... لَدمى حدَّ مفرقهِ حُسامي

ولما جعل له فؤاداً استجاز أن يجعل له همة، لأن الفؤاد مطية الهمة. وحسن ذلك قولُه.) تَجَمَّعَت في فُؤاد الدهر منها واحدة، ويضيق عما سواها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015