البُرد: الثوب المُوشي؛ وطرائفه مختلفة الألوان؛ اي فهذه الكتائب شتى المطالب؛ بعيدة المذاهب، فهي تطأ لبعد مرامها؛ ارضين مختلفة أنواع التراب؛ اختلافاَ لونياً؛ من بياض وسواد. فكل أرض تؤها تختفي من غبار هذا الجيش بترابها؛ فيكسب بذلك ألواناً مختلفة؛ بحسب أنواع التراب؛ لكل نوع ولون؛ فكأن الغبار بُرد؛ وهذه ألوان فيه.

) وكُل شريك في السُّرور بمُصبَحي ... أرى بَعده من لا يرى مثلهُ بعدي (

مُصبحي: أوانُ صباحي؛ اي وكل مشارك لي من أهلي في السرور في رجوعي وتصبيحي له؛ عند رؤيته ما أقنانيهِ لقاء هذا الممدوح من الثروة فإني مع ذلك كله منفرد دونه بأثرةٍ؛ وهي رؤيتي هذا الممدوح الذي لا يرى هو بعدي مثله. يقول؛ فأنا أكره أن أنفرد بنوع من انواع المَسرة دونهم؛ فإذا أنا أبت إليهم ورأوني، رأوا من لا نظير له عندهم كما أرى أنا الآن من لا نظير له، فاستووا معي فيما نلته من الغني وأدركته من المُنى، ألا تراه يقول:

) وقد كنتُ المُنى غير أنني ... يُيرني أهلى بإدراكها وَحدي (

وهذا كله اعتدار إلى أبى الفضل في إيثاره الرحيل عنه. وإنما كان يريد التمادي إلى شيراز، ثم الأوب إلى أهله.

وله ايضا:

) أوهِ بديلاً من قَوءلتي وَاها ... لِمن نأتْ والبدِيلُ ذِكراها (

أوهِ، وأوهِ: كلمتا توحع مبنيتان على الكسر. وواهٌ: كلمة استطابة واستزادة. فيقول: أنا متوجع لفراقها بعد استزادتي وصالها واستطابتي إياه، لم أقنع بهجر الدلال، حتى بُليتُ بفرقة الزوال، وقوله:) لمنَ نات والبديلُ ذكراها (اي أعنى التي بانت بهذا التوجع) والبديل ذكراها (، او ذكراى إياها بدل مثها. هي مفقودة اي ذكراها لدي موجودة.

) أوهِ امن لا أرى مَحَاسِنها ... وأصلُ واهاً وأوهٍ مَرآها (

اي غنما أرجع هذه الكلمة التي معناها التوجُّع والتفجُّع لفقدي رؤية محاسنها.) وأصل واه واوه مرآها (؛ إنما كان سبب استطابتي إياها، وتوجعي بنواها، رُؤيتي لها. وذلك اني رأيتها فهويتها، ووصلت فاستطبتها ونأت فتأوهتُ لها.

) شاميَّةٌ طاَلما خَلَوتُ بَها ... تُبصِرُ في ناظري مُحيأها (

شامية: منسوبة إلى الشام. يقال: شام وشأم. وناظر العين؛ إنسانها والمحيا. الوجه اي هذا المحبوبة شامية خلوت بها طويلاً، فاستمتعت بوصالها، واستكثرت نوالها.

) فقبلت ناظري تغالطُني ... وإنما قبلت به فاها (

اي كانت تنظر إلى عيني، فشخص لها صورة وجهها في ناظري، والفم جزء من الوجه. فكانت ترى فاهاً في جُملة وجهها المرئي في ناظري، فكانت تقبل الناظر مُريةً أنها تريده، وإنما كانت تريد فاهاً، فتقبله بالناظر، كما كانت في المرآة لان الناظر عضو مجلُوٌ، فتشخص فيه الصورة، كشخصها في المرآة.

) فَلَيتها لا تزَالُ آويةً ... وَلَتهُ لا يزالُ مأوَاها (

اي ليت صورتها لا تزال آوية ناظري. يقال: أويتُ المكان، وأويت إليه، وذكر آوية، وكان الحكم آويتُه ذهاباً إلى الشخص او الشكل اي وليت الناظر لا يزال مأوى هذه الصورة.

وهذا البيت مشتمل على قضيتين، ترجعان إلى قضية واحدة، لان التمني الأول هو التمني الثاني.

) لَقيننا والحُمولُ سائرةٌ ... وَهُنَّ دُرٌ فذُبن أمواها (

لقيتنا: يعني هؤلاء الظُعُن. والحُكول سائرة بهن الإبل بما عليها من الهوادج، وهن دَراري، وهن دَرارس، قد رقت بَشرَاتُهُن وصفت، فهن كالدر. وأراد مثل الدر؛ فبالغ احتى جعلهن الدر نفسه. ولا بد اعتبار) مثل (لأنهن لا يكون دُرا، لان الدرجماد؛ وهي حسوان ناطق.

وقوله: فذُبن أمواهاً: اي بكين لما سارت بهن الإبل. فلما كانت دموعهن كبشراتهن التي شاكت الدر، رقة وصفاء، ظننتهن دراً ذائباً، وهذا كقوله هو:

أوفى فكنت إذا رميت بمقلتي ... بشراًرأيتُ أرق من عَبَرَاتها

وقوله: امواهاً: منصوب على الحال، وإن كانت الأمواه جوهراً فقد يكون الجوهر حالاً.

حكى سيبويه عن العرب) العجب من بُر مررنا به قفيزاً بدرهم (قال: قد يكون خبرا مالا يكون صفة. يعني بالخير الحال؛ وقال: هذا بُسراُ أطيب منه رطبا. وفي التنزيل) هذه ناقةُ اللهِ لَكُم آية (ومثله كثير.

وقال:) ذُبن (وإنما يعني دموعهن. لكن ادعى أن الجملة قد عادت ماء مبالغة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015