كأنِّي وقد جاوزتُ تسعين حجةً ... خَلعتُ بها عنِّي عذارَ لجامي
رَمَتْني بناتُ الدَّهر من كلِّ جانبٍ ... فكيف بمن يُرمَى وليس برامِ
حتى أتى عليها. قلت: لا، ولكنك كما قال لبيد بن ربيعة. قال: وما قال؟ قلت قال:
باتت تَشَكَّى إلى النفسُ مُجهِشةً ... وقد حملتُك سبعاً بعد سبعينا
فإنْ تُزادي ثلاثاً تبلُغي أملاً ... وفي الثلاث وفاءٌ للثمانينا
فعاش والله بعد ذلك حتى بلغ تسعين حجة. فقال:
كأني وقد جاوزتُ تسعين حِجَّةً ... خَلَعتُ بها عن مَنْكبيَّ ردائيا
فعاش حتى بلغ عشرا ومائة فقال:
أليس في مائةٍ قد عاشَها رجلٌ ... وفي تكامُلِ عشر بعدها عِبَرُ
فعاش والله يا أمير المؤمنين حتى بلغ عشرين ومائة فقال:
وغنيت سبتاً بعد مَجرَى داحسٍ ... لو كان للنفس اللجوج خلودُ
فعاش والله حتى بلغ أربعين ومائة سنة فقال:
ولقد سئمتُ من الحياةِ وطولِها ... وسؤالِ هذا الناس كيف لبيدُ
فقال عبد الملك: والله ما بي بأس، اقعد يا شعبي ما بينك وبين الليل.
قال: فحدثته حتى أمسيت ثم فارقته، فمات والله في جوف الليل.
وقال لبيد:
(عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فمُقامُها ... بمنى تأَبَّدَ غَوْلُها فرِجامُها)
قوله عفت معناه درست. و (تأبد) معناه توحش. يقال أبدت الدار تأبد أبوداً. وتأبدت تأبُّداً، إذا
توحشَّت. والأوابد: الوحش؛ ومنه أوابد الشعر.