لبيد بن ربيعة، لم يصبح منذ هاجر إلا وعند بابه جزر تُنحر أو فرث أو دم لم يجف؛
وكان الآخر مفرطا في البخل، فكان يرسل خادمه فيأتيه
بالتمر فيملأ فاه ماء مخافة أن يأكل منه في الطريق.
وقال الأصمعي: كان الوليد بن عقبة ارتقى يوما المنبر فأرتج عليه وحصر، فنظر فإذا دخان ساطع،
فقال: هذا دخان أبي عقيل، فرحم الله سبحانه امرأ أعانه على مروته، وأنا أول امرئ أعانه على
مروته. قال: ثم نزل من المنبر فأرسل إليه بالجُزُر لم يذكر عددها، وأرسل إليه بأبيات:
أرى الجزّارَ يَشحذُ شَفْرتيه ... إذا هبَّتْ رياحُ أبي عَقيل
أغرُّ الوجه أبيضُ عامريٌّ ... كأنّ جَبينَه سيفٌ صَقيلُ
فعُدْ إنِّي إليكَ بها مُعيدٌ ... ومضمونٌ له وبها قَبيل
القبيل، والكفيل، والزعيم، والصبير واحد.
قال: فلما جاءته الجزر تشكَّر له وقال خيرا، وقد كان ترك قرض الشعر، فدعا بُنية له صغيرة فقال
لها: أجيبي أبا وهب عن أبياته. قال: فدخلت بيتا ثم مكثت هُنيهة قليلة، ثم خرجت وهي تقول:
أبا وهبٍ جزاك اللهُ خيراً ... نَحرناها وأطعمْنا الثريدا
إذا هبَّتْ رياحُ أبي عَقيلٍ ... دعَونا عند هبَّتها الوليدا
أغرَّ الوجه أبيضَ عَبشميًّا ... أعانَ على مُروَّته لَبيدا
فعُدْ أن الكريمَ له مَعادٌ ... وظَنِّي بِابنِ أروى أن يعودا
قال: فقال لها لبيد: أجدت لولا أنك استزدته. قال: فقالت: إنما استزدته لأنه ملك، ولو كان سوقة ما
استزدته! قال: فعجبوا من حُسن جوابها.
قال المؤرج: وبلغني أن لبيدا هلك في زمن عثمان بن عفان، رضي الله سبحانه عنه
قال: وبلغني عن علقمة بن قطن بن ناجية بن نهيك بن قطن بن مرة بن خالد بن جعفر بن عبد الله
بن عمير القبطي قال:
أدركت لبيدا في زمن معاوية رضي الله عنه، وهو في ألفين وخمسمائة من العطاء،