وكانت مكة في الجاهلية لا ظلم ولا بغي فيها، ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه، فكانت تسكى

(الناسة) وتسمى (بكة)، تبك أعناق البغايا إذا بغوا فيها. ويقال: إنما سميت مكة لازدحام الناس بها.

وقال يعقوب: سميت الناسة لأن أهلها كأنهم ينسون من العطش. قال:

وبلد يُمْسِي قَطاهُ نُسَّسَا

قال أبو عبيدة: فلما لم تتناه جرهم عن بغيها وتفرق أولاد عمرو بن عامر من اليمن، فانخزع بنو

حارثة بن عمرو بن عامر فأوطنوا تهامة، فسميت خزاعة (فخزاعة: كعب، ومليح، وسعد، وعوف،

وعدي - بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر - وأسلم، وملكان بن أفصي بن حارثة

بن عمرو بن عامر) بعث الله عز وجل على جرهم الرعاف والنمل فأفناهم. فاجتمعت خزاعة ليجلوا

من بقي، ورئيس خزاعة عمرو بن عامر؛ وأمه فهيرة بنت عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى،

وليس هو ابن مضلاض الأكبر. فاقتتلوا، فلما أحس عمرو بن الحارث بن مضاض بالهزيمة خرج

بغزالي الكعبة وحجر الركن، يلتمس التوبة وهو يقول:

لا هُمّ أن جرهماً عبادُكا ... النَّاس طِرفٌ وهمُ تلادُكا

وهمْ قديماً عَمَروا بلادَكا

فلم تقبل توبته. فألقى غزالي الكعبة وحجر الركن في زمزم ثم دفنها، وخرج من بقى من جرهم إلى

إضم من أرض جهينة، فجاءهم سيل أتى فذهب بهم، فقال أمية بن أبي الصلت:

وجُرهم دمَّنوا تِهامة في ال ... دَّهرِ فسالت بجمعهم إضَمُ

وولى عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر. وقال بنو قصي: بل وليه عمرو بن الحارث

بن عمرو، أحد بني غبشان بن سليم، من بني ملكان بن أفصي، ولى البيت، وهو الذي يقول:

ونحن وَلينا البيتَ من بعد جُرهم ... لنمنعَه من كلِّ باغٍ وملحدِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015