غلام من بعده فأشرف في الصحيفة ولا يدرى ممن هي؟ فقرأها فقال: ثكلت المتلمس أمه!
فانتزع الصحيفة من يدي الغلام واكتفى بذاك من قوله، واتبع طرفة فلم يلحقه، وألقى الصحيفة في
نهر الحيرة، ثم خرج هاربا إلى الشام، فقال المتلمس عند ذلك:
ألقيتُها بالثِّنْيِ مِن جَنْب كافرٍ ... كذلك أقْنُو كلّ قِطٍّ مُضَلَّلِ
الثنى والجزع واحد، وهو ما انثنى من الوادي. وقال أبو عمرو: كافر: نهر بالحيرة. وقال غيره:
كافر: نهر قد ألبس الأرض وغطاها. ويقال لليل كافر لأنه يلبس كل شيء ويغطيه.
وقال أبو عمرو: أقنو: أحفظ. وقال غيره: أقنو: أجزى. يقال: لقنونك بفعلك، أي لجزينك. والقط:
الصحيفة. ويقال للصك قط. فيقول: حفظي لهذا القط، أي الكتاب، أن أرمي به في الماء.
رضِيتُ لها بالماءِ لمَّا رأيتُها ... يَجُول بها التَّيَّارُ في كلّ جَدْولِ
التيار: الموج. ومضى طرفة حتى إذا كان ببعض الطريق سنحت له ظباء وعقاب، فزجروها وقال:
(لعمرِي لقد مَرَّتْ عَواطِسٌ جمّة ... ومرَّ قُبيلَ الصُّبح ظَبيٌ مصمَّعُ)
عواطس: ما يتشاءم به. قال العجاج:
قطعتُها ولا أهابُ العُطَّسا
جمة: كثيرة. يقال فلان جم العطاء: أي كثير المعروف. ويقال: اسقني من جم بئرك، ومن جمة
بئرك، أي من معظم مائها. ومجم البئر: الموضع الذي يجتمع فيه الماء. وفلان واسع المجم، إذا كان
كثير المعروف. ومصمع معناه ذاهب. وقال الطوسي فقال: هو الأقرن.