إذاً (فَلِلْوَاحِدِ) الفاء هذه واقعة في جواب الشرط، (فالْعَمَلْ) هذا مبتدأ مؤخَّر، (لِلْوَاحِدِ) جار ومجرور متعلِّق بمحذوف خَبر مقدَّم، (مِنْهُمَا) هذا حال من الواحد، حال كونِه منهما لا من غيرِهما، هذا قطعاً؛ لأن التجاذُب إنما حصل بين العاملَين على هذا المعمول، هذا تعريف ابنِ مالك رحمه الله تعالى، وهو واضِح.
(إِنْ عَامِلاَنِ) .. (إِنْ اقْتَضَيَا) طَلب، والاقتضاء يفسَّر بمعنى الطلب، (إن اقتضى عاملان عملاً في اسمٍ قبلُ)، يعني: حال كون العاملَين قبلَ الاسم الظاهر، فالعمل للواحد منهما دون الآخر، وهذا مقطوع به باتفاق، إمّا الأول أو الثاني، ولذلك أجمع البصريون والكوفيون على أنه يجوز إعمال أي واحد منهما، أعملتَ الثاني أو أعملتَ الأول كلُّه جائِز، وإنما اختلفوا في الأرجح والأَولى والأَقيس ما هو؟ على قولين.
(وَالثَّانِ أَوْلَى)، (وَالثَّانِي) يعني: إعمال الثاني (أَوْلَى) من إعمال الأولِ عند أهل البصرة .. عند البصريِّين، (وَاخْتَارَ عَكْساً) وهو: إعمال الأول دون الثاني (غَيْرُهُمْ)، وهم طائفتان اثنتان متقابلتان، إذا قال: عند أهل البصرة، ثم قال: غيرُهم؛ تَعيَّن أن يكون المراد بالغير أهلُ الكوفة؛ لأنه لا اعتبار بغيرهم، ولذلك أكثر ما يُذكَر البصريون والكوفيون، وأما الأندلسيون والمِصريون فهذا خلافُهم سهْل.
(وَاخْتَارَ عَكْساً) (اخْتَارَ) هذا فعل ماضي، و (عَكْساً) هذا مفعول بِه، من هذا وهو: أنّ الأول أَولى، (غَيْرُهُمْ) غيرُ البصريين وهم الكوفيون، (ذَا أَسْرَهْ) هذا حال من فاعل (اخْتَارَ)، اختار غيرُهم عكساً، اخْتَارَ عَكْسًا غَيْرُهُمْ، اختار غيرُهم عكساً، (غَيْرُهُمْ) هذا فاعل، حالَ كونِهم (ذَا أَسْرَهْ) يعني: صاحِب أَسره، وهو الجماعة القوية، فيها قوة، قيل: لكون الذين اختاروا هذا القول أكثر، وقيل: وصَفَهم بهذا لئلا يُظَنّ بأنه قال: (غَيْرُهُمْ)؛ أنه تضعيف لقولهم؛ لا، هو محتمِل، هذا محتمِل، والأول محتمِل، كلاهما محتملان؛ إلا أن الأرجح هو مذهب البصريين.
(وَالثَّانِ) أي: إعمال الثاني؛ على حذف مضاف، وهو مبتدأ، (أَوْلَى) خبره، (ثَّانِ) مبتدأ، و (أَوْلَى) خبره، (ثَّانِ) على حذف مضاف، يعني: إعمال الثاني؛ لأننا لا نحكم على الثاني من حيث هو، هنا نقول: على تقدير مضاف؛ لأنك لو قلتَ: الثاني مبتدأ؛ حينئذٍ الثاني من حيث هو لا من حيث العمل (أَوْلَى)، ونحن نحكُم عليه من حيث الإعمال، إعمال الثاني أولى من إعمال الأول، لماذا؟ قالوا: لِقُرْبِه، القريب أولى، أكرمتُ وضربتُ زيداً، قالوا: (زيداً) هذا مفعول به للثاني دون الأول، (أكرمتُ وضربتُ) كلاهما تجاذبا في طلب (زيدٍ) على أنه مفعول له، على مذهب البصريين الثاني أولى، وهو (أكرمتُ)، والأول سيأتي أنه يُقدَّر له ثم يُحذَف.