(وَاخْتَارَ عَكْسَاً غَيْرُهُمْ) اختار غيرهم وهم الكوفيون (عَكْسَاً) وهو: إعمال الأول أولى من إعمال الثاني؛ لماذا؟ قالوا لِسَبْقِه؛ لأنه سَبَق، (ضربتُ) نطقتَ به أولاً، إذاً الاسم الظاهر الأولى أن يُقدَّر له، و (أكرمتُ) هذا جاء ثانياً، حينئذٍ الثاني دَخيل على الأول، فإذا جاء الاسم الظاهر (زيداً) فالأول أولى؛ يُعطَى، والثاني -لأنه دخيل- حينئذٍ يُقدَّر له.
إذاً: أكرمتُ وضربتُ زيداً، (زيداً) مفعولٌ لـ (أكرمتُ) الأول على مذهب الكوفيين، ومفعولٌ لـ (ضربتُ) الثاني؛ العامل الثاني على مذهب البصريين.
(إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ) قوله: (إِنْ عَامِلاَنِ) قلنا: ليس المراد تحديد الاثنين فَحَسْب، وإنما المراد مفهوم الأقل، يعني: لا يكون واحداً؛ إذْ لو كان واحداً خرج عن باب التنازُع، قام زيدٌ ضربتُ زيداً، ليس فيه تنازُع، وإنما المراد عاملان فأكثر، حينئذٍ يَرِد ثَمّ ثلاثة عوامل قد يطلبوا معمولاً واحداً، قد يكون التنازُع بين أكثر من عاملَين، وقد يتعدد التنازُع فيه؛ ولذلك جاء في الحديث: {تُسَبِّحون، وتَحْمَدون، وتُكَبِّرون دُبُرَ كلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين}، تُسبّحون دُبُرَ كل صلاة، تَحمَدون دُبُرَ كلِّ صلاة، تُكَبِّرون دُبُرَ كلّ صلاة، إذاً (دُبُرَ) هذا ظَرف؛ تنازع فيه العوامل الثلاثة السابقة.
كذلك: (ثلاثاً وثلاثين) هذا مفعول مطلق .. نائِب عن مفعول مُطْلَق؛ عَدَدي، تنازعه الثلاثة الماضية، الأفعال الثلاثة: تُسبِحون، وتَحمدون، وتُكبرون.
إذاً؛ وقع التنازُع بين ثلاثة أفعال على معمولَين؛ فوقع ماذا؟ التخالُف بين الاثنين، صار الأول متعدِّداً أكثر من اثنين، وصار الثاني أكثر من اثنين، فقول الناظم: (إِنْ عَامِلاَنِ) لا مفهوم له من حيثُ الكَثْرة.
وقوله: (فِي اسْمٍ) أخذ المَكُودِي بأنه لا يكون تنازُعاً إلا في اسم واحدٍ، وليس له سَبْق في ذلك، بل الصواب: أنه لا مفهوم له، فقول الناظم: (فِي اسْمٍ) ليس له مفهوم بأنه إذا كان أكثر من اثنين خرج عن باب التنازُع، نقول: لا، ولذلك جاء في الحديث: {دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ}، وهما معمولان وقع فيه التنازُع، وهما اسمان ليس اسماً واحداً.
(إِنْ عَامِلاَنِ) فأكثر، إذاً لا مفهوم له من حيث الزيادة، وله مفهومٌ من حيث الأقل، يعني: لا يكون أقلَّ من عامِلَين، فإن كان أقل من عاملين خرج من باب التنازع، فإن كان ثلاثة حينئذٍ نقول: هذا من بابٍ أولى؛ التجاذب فيه أعظم.
(إِنْ عَامِلاَنِ) المراد به: فعلان، أو اسمان، أو اسمٌ وفعل، بشرط أن يكون فعلاً متصرفاً، أو ما جرى مجراه، فعلاً متصرفاً لا جامداً، أو ما جرى مجراه، إذاً الحرف .. لا يكون التنازع بين حرفين البتة، ولا بين حرف وغيره، ولا بين جامد وغيره، ولا بين جامدين من بابٍ أولى، ولا جامدٍ وحرف، لا يقع التنازع، وإنما المراد بالعاملين هنا: الفعلان المتصرفان، أو الاسمان المُشْبِهان للفعلِ، أو الفعل والاسم.
قد يقع تنازع بين فعل واسم كل منهم يطلب اسماً ظاهراً.