إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ
وَالثَّانِ أَوْلَى عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَهْ ... قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَملْ
وَاخْتَارَ عَكْسَاً غَيْرُهُمْ ذَا أُسْرَهْ
باب التنازُع يُعتَبَر من الأبواب الصَّعبة، فهو أصعب من باب الاشتغال، فكلاهما فيهما من الصعوبة ما قد؟؟؟.
(إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ) (إن) حرف شَرط، (عاملان) هذا فاعل لفعل محذوف وجوباً يفسره المذكور: (إِنْ اقْتَضَى عَامِلاَنِ).
اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ: (عملاً) هذا مفعول به لـ (اقْتَضَى).
(فِي اسْمٍ) هذا جار ومجرور متعلِّق بقوله (عَمَلْ)، عملاً في اسم، وعلَّقه بعضهم بقوله: (اقْتَضَى فِي اسْمٍ)، لكن الأولى أن يعلق بـ (عَمَلْ)، وسبب التوجه هنا من كونه عُلِّق بـ (اقْتَضَيَا) دون (عَمَلْ)؛ لأن (عَمَلْ) هذا مَصْدَر، والمَصدر يكون متعلَّقا للجار والمجرور والظرف، لكن بشرط ألا يتقدَّم المعمول على العامل.
فإذا عُلَّق شيء بالمصدر، أو اسم المصدر، يُشترط في صحَّة إعماله ألا يتقدَّم عليه، ويمتنع أن يتقدّم عليه، وهنا تقدَّم (فِي اسْمٍ) على (عَمَلْ)، لكن من باب الضرورة في النظم فحَسْب، وإلا الأصل أن يقال: عملاً في اسم، (إِنْ اقْتَضَيَا) طلبا عملاً في اسمٍ، (فِي اسْمٍ) هذا جار ومجرور متعلِّق بقوله: (عَمَلْ)؛ لأنه مَصْدر، والأصل فيه ألا يتقدَّم، فإن تقدَّم في مثل هذا التركيب نقول: هذا من قبيل الضرورة.
وأما تعليقُه بـ (اقْتَضَى) هذا فيه ضَعْف من جهة المعنى؛ لأن الاقتضاء ليس للاسم، وإنما الاقتضاء للعمل، ثم العمل يكون في الاسم لا في فعل، ولا في حرف، (فِي اسْمٍ) هذا معلَّق بـ (عَمَلْ) ليس معلَّقاً بـ (اقْتَضَيَا)؛ لأن الاقتضاء الذي هو طلب الفعل يطلب (عملاً)، عملاً .. محَلُّ العمل يكون في الاسم، إذاً صار جاراً ومجروراً متعلِّق بقوله: (عَمَلْ)، و (عَمَلْ) هذا مفعولٌ به وُقِف على السكون على لغة رَبيعة.
(قبلُ) يعني: قبل الاسم، هذا حال، حال كونهما قبل ذلك الاسم.
(إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا) إنِ اقتضَى عاملان حال كونهما قبل ذلك الاسم، فحينئذٍ اشترط الناظم أن يكونا متقدِّمَين، أن يكون العاملان متقدِّمَين، فإن تأخرا، أو توسَّطا، أو توسَّط أحدُهما خرَج عن باب التنازُع، بل لا بدَّ أن يتقدَّما: قام وقَعَد زيدٌ، ضربتُ وأكرمتُ عَمْراً، لا بدَّ أن يَتقدَّما.
فإن قيل: عَمْراً ضربتُ وأَكرمتُ، ليس من باب التنازُع وسيأتي، لو قيل: ضربتُ زيداً وأَكرمتُ؛ توسَّط بينهما الاسم، ليس من باب التنازُع، بل لا بدَّ من أن يَتقدَّم العامِلان، ويتأخر الاسمُ.
(فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ)، فالعمل لواحد منهما، وهذا محل وفاق اتفاق بين النحاة، لا يمكن أن يكون الاسمُ معمولاً للعاملَين، بل لا بدَّ أن يكون واحداً منهما هو الذي يأخذ الاسم الظاهر، والثاني حينئذٍ نُضْمِر له ضميراً: إما مذكوراً، وإما محذوفاً على التفصيل الآتي.