قال الشارح: أي يلزم الأصل وهو تقديم الفاعل في المعنى إذا طرأ ما يوجب ذلك وهو خوف اللبس، نحو: أعطيت زيداً عمْراً فيجب تقديم الآخذ منهما ولا يجوز تقديم غيره لأجل اللبس، إذ يحتمل أن يكون هو الفاعل، وإذا وقع الاحتمال حينئذٍ لا بد من الرجوع إلى الأصل.

وقد يجب تقديم ما ليس فاعلاً في المعنى وتأخير ما هو فاعل في المعنى، أعطيت الدرهمَ صاحبه، الدرهمَ بالنصب، أعطيت الدرهم صاحبه، صاحب هو آخذ، هو فاعل في المعنى، والدرهم مأخوذ.

إذاً: صاحب؛ هذا مفعول أول، والدرهم: مفعول ثاني، وجب تأخيره وتقديم المفعول في المعنى؛ لأنه اتصل بضمير يعود على متأخر في اللفظ والرتبة وهو ممنوع، ولا يمكن تصحيح هذا الكلام إلا بتأخير المفعول الأول ليعود على متقدم في اللفظ دون الرتبة، أعطيت الدرهم صاحبه؛ عاد على متقدم في اللفظ فحسب دون الرتبة، لأن رتبته متأخرة عنه، فلا يجوز تقديم صاحبه وإن كان فاعلاً في المعنى، فلا تقل: أعطيت صاحبه الدرهم لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة وهو ممتنع، والله أعلم.

حكم المبتدأ مع خبره فيما سبق، إذا وقع مفعولين كحكم الفاعل في المعنى مع المفعول في المعنى، الحكم واحد، قد يجب التزام الأصل، قلنا: الأصل أن يكون المبتدأ هو المفعول الأول، -سبق تقريره-، والخبر هو المفعول الثاني، قد يجب التزام الأصل وقد يمتنع، فالأحوال ثلاثة حينئذٍ وتؤخذ أحكامها مما سبق.

ظننت زيداً قائماً، زيداً: هذا مفعول أول، لماذا حكمنا عليه بأنه مفعول أول؟ لأنه مبتدأ ليس فاعلاً في المعنى، ما كان أصلهما المبتدأ والخبر لا نقول فاعل في المعنى، إذاً: ظننت زيداً، زيداً حكمنا عليه بأنه مفعول أول لكونه مبتدأ في المعنى، وقائماً: مفعول ثاني لكونه خبر، ورتبة المبتدأ متقدمة على رتبة الخبر، هل يجوز: ظننت قائماً زيداً؟ يجوز، ليس فيه لبس؛ لأنه يعلم الأول من الثاني، المحكوم عليه من المحكوم به.

ووجوبه في نحو: ظننت زيداً عمْراً، زيداً: هذا مفعول أول، وعمْراً: مفعول ثاني، في أصلهما مبتدأ وخبر، زيد عمرو قلنا: يصح أو لا؟ السيهلي قال: لا، لا تختص هذه الأفعال بدخولها على المبتدأ والخبر، وعرفنا أن الصواب أنها خاصة بالمبتدأ والخبر، وزيد عمروٌ المراد به: زيد كعمْرٍ، وهذا مبتدأ وخبر، وحينئذٍ المراد به التشبيه، فلا يجوز تقديم المفعول الثاني على الأول لئلا يلتبس؛ لأن ثَمَّ فرقاً بين قولك: زيدٌ كعمروٍ وبين قولك: عمروٌ كزيدٍ، فرق بين المشبه والمشبه به، تشبه من بمن؟ لا شك أن المشبه أدنى من المشبه به، -هذه قاعدة- إلا على التشبيه المقلوب.

فزيد كعمروٍ حينئذٍ نقول: يلتزم فيه تقديم المبتدأ على الخبر، ولا يصح أن يقال: عمروٌ كزيدٍ، إذا دخلت (ظن) عليه حينئذٍ نقول: ظننت زيداً عمْراً على التشبيه أيضاً، فلا يجوز أن يتقدم المفعول الثاني وهو عمْراً على الأول، لماذا؟ لوقوع اللبس.

وامتناعه في نحو: ظننت في الدار صاحبها، ظننت صاحبها في الدار، في الدار هذا لا يمكن أن يكون مبتدأً؛ لأنه شبه جملة، وشبه الجملة لا يقع مبتدأً البتة؛ لأنه متعلق بمحذوف، وهذا المحذوف إما أن يكون اسم فاعل وإما أن يكون اسم مفعول، وعليهما لا يصح أن يكون مبتدأً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015