أو ملتبساً بضمير الثاني، نحو: أسكنت الدار بانيها، أسكنت بانيها الدار، باني هو الفاعل في المعنى هو الذي يبني، والدار: مفعول في المعنى مبنياً، وهنا قال: أسكنت الدار بانيها؛ وجب تأخير المفعول الأول لاشتماله على ضمير يعود على المفعول الثاني وهو متأخر في اللفظ والرتبة، هذا الأصل، الأصل أسكنت بانيها الدار حينئذٍ وقعنا في محذور؛ وهو عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، في اللفظ نطق به متأخراً، وفي الرتبة لأنه مفعول ثاني، ورتبة المفعول الثاني متأخرة عن رتبة المفعول الأول. إذاً: عاد الضمير على متأخر في الرتبة واللفظ، وهذا ممنوع إلا في ست مسائل، وحينئذٍ نقول: وجب تقديم المفعول الثاني الذي هو مفعول في المعنى على المفعول الأول وهو فاعل في المعنى.

أسكنت الدار بانيها، وحينئذٍ هذه ثلاث مسائل يجب فيها ترك الأصل، كما أن ثَمَّ ثلاث مسائل يجب فيها التزام الأصل.

فلو كان الثاني ملتبساً بضمير الأول كما في: أعطيت زيداً ماله، زيداً: مفعول أول وهو فاعل في المعنى، ماله: مفعول ثاني، هل يصح أن يقال: أعطيت ماله زيداً؟ يصح، ما وجهه؟ أعطيت ماله زيداً، ماله: الضمير يعود على زيد، زيد أين هو؟ متقدم ومتأخر، متأخر في اللفظ ومتقدم في الرتبة، جائز أو لا؟ جائز، إذا عاد الضمير على متأخر في اللفظ دون الرتبة فهو جائز، في اللفظ دون الرتبة: ((وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ)) رَبُّهُ: هذا فاعل متصل بضمير يعود على إبراهيم، هنا مفعول به واجب التقديم؛ لأنه لو أخرته فقلت: (وإذ ابتلى ربه إبراهيم) عاد الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة وهذا ممنوع، وأما إذا عاد على متأخر في اللفظ دون الرتبة فهذا جائز.

إذاً: أحكام الضمير ثلاثة: إما أن يعود -وهو الأصل- أن يعود على متقدم في الرتبة واللفظ، وحينئذٍ نقول: هذا هو الأصل، مثل: إذا عاد على متقدم في اللفظ والرتبة: زيد ضربته، ضربته الضمير هنا يعود على متقدم في اللفظ والرتبة، اللفظ لأننا نطقنا به متقدماً باعتبار النطق، وفي الرتبة لأنه مبتدأ والجملة خبر إذا رفعنا، زيد ضربته، فعاد الضمير على متقدم في الرتبة واللفظ.

على متأخر في اللفظ والرتبة، هذه الحال الثانية، هذا ممتنع لا يجوز إلا في ست مسائل ذكرناها عند قوله:

وَشَاعَ نَحْوُ خَافَ رَبَّهُ عُمَرْ ... وَشَذَّ نَحْوُ زَانَ نَوْرُهُ الشَّجَرْ

ست مسائل وسيأتي منها باب التنازع.

بقي حالة ثالثة وهي وسطى: أن يعود الضمير على متأخر في اللفظ دون الرتبة، رتبته متقدمة لكنه في اللفظ نطق به متأخراً وحينئذٍ نقول: هذا جائز، مثل: أعطيت زيداً ماله، ماله هذا ضمير يعود على متقدم في الرتبة واللفظ وهو زيداً، أعطيت زيداً ماله: الضمير يعود على زيد، وهو متقدم في الرتبة؛ لأنه مفعول أول، وماله: مفعول ثاني، وفي اللفظ نطق به متقدماً، لو وسطته قلت: أعطيت ماله زيداً؛ حينئذٍ عاد على متأخر في اللفظ دون الرتبة، لكونه متقدماً في الرتبة، هذا نقول: جائز.

وَيَلْزَمُ الأَصْلُ لِمُوجِبٍ عَرَا ... وَتَرْكُ ذَاكَ الأَصْلِ حَتْماً قَدْ يُرَى

وَتَرْكُ ذَاكَ الأَصْلِ: السابق، يعني: بتقديم المفعول في المعنى على الفاعل في المعنى قد يرى حتماً يعني: محتوماً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015