إذاً: عجبت أن تقوم نقول: هذا محتمل للنصب والجر، حمله على المسموع أولى؛ لأنه لما حذف في المسموع المنقول ولو كان سماعياً، لما انتصب علمنا أن (أنَّ) إذا حذف منها حرف الجر أنه في محل نصب.
الثاني: بكونهما في محل جر نظروا إلى محل رُبَّ، وسيأتي أن رُبَّ تحذف ويبقى عملها: ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ، لَيْلٍ أي: رُبَّ ليل، بقي الحذف، فقيس عليه حرف الجر إذا حذف وكان مدخوله (أنَّ وأنْ) أيهما أولى بالقياس؟ ما سمع منصوباً ولو كان شاذاً في باب حذف حرف الجر، أو حرف منفك خارج عن الباب، أيهما أولى؟ لا شك أن قياسه على المذكور في الباب نفسه أولى ولو كان شاذاً.
فمن قال بأنه في محل جر قاسه على مجرور رُبَّ؛ لأن رُبَّ تحذف ويبقى عملها، الذي سوغ القياس هنا، لماذا خاصة رُبَّ؟ لأنه يجوز قياساً حذف رُبَّ وإبقاء عملها، وهنا يجوز قياساً حذف حرف الجر السابق لـ (أنَّ وأنْ) ويبقى عمله على الأصل، لكن نقول: هناك شيء بعيد وشيء قريب كلاهما له حظ من النظر، ولذلك سيبويه ذهب إلى تجويز الوجهين؛ لأن كل دليل صحيح، لكن هناك دليل أقوى من دليل، ونظره أبعد، وهو القول بكونهما في محل نصب؛ لأن القياس على شيء في نفس الباب أولى من القياس على شيء في باب خارج ولو كان القياس صحيحاً، يعني مستوفي للشروط والأركان، فحينئذٍ يترجح أن يكون محلهما النصب.
وحاصله: أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف الجر، ثم إن كان المجرور غير (أنَّ وأنْ) لم يجز حذف حرف الجر إلا سماعاً، وإن كان (أنَّ وأنْ) جاز ذلك قياساً عند أمن اللبس، وهذا هو الصحيح.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!