بل يقتصر فيه على السماع، وذهب أبو الحسن -الأخفش الصغير- إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياساً بشرط: تعين الحرف ومكان الحذف، -لكنه مرجوح-، تعين الحرف، ما هو الحرف؟ أن يكون متعين، يعني: هذا الفعل لا يتعدى إلا بهذا الحرف، لا يحتمل وجهين مثل: رغب في وعن، لا يحتمل إلا حرفاً واحداً.

ومكان الحذف: نعرف أن الحذف حُذف من هذا المكان، فإن احتمل، لا، إن احتمل عدم التخصيص بالحرف نقول: لا، مثل: بريت القلم بالسكين، هذه الباء باء الآلة والسكين آلة، أيهما يبرى الأول بالثاني؟ القلم يبرى بالسكينن إذاً لو قال: بريت القلم السكينَ؛ جاز، لأن السكين هنا آلة ولا يدخل على الآلة إلا باء الآلة فهو متعين، ثم الحرف هنا لا يحتمل: بريت بالقلم أو بريت بالسكين لا يحتمل، إذاً: تعين المكان وهو قوله السكين، وتعين الحرف؛ لأن السكين هذا آلة ولا يدخل عليه إلا الباء باء الآلة، هذا جائز.

فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف، رغبت في زيد بيناه، فلا يجوز حذف في؛ لأنه لا يدرى حينئذٍ هل التقدير رغبت عن زيد أو في زيد، وكذلك إن لم يتعين مكان الحذف لم يجز: اخترت القوم من بني تميم، اختار هذا يتعدى إلى اثنين أحدهما بنفسه والثاني بحرف، وقد يجوز إسقاط الحرف ونصبه على المفعولية، مثل: اخترت الرجال زيداً، اخترت القوم من بني تميم، لا يصح حذف (من) اخترت القوم بني تميم؛ لأنه فرق، اخترت من القوم بني تميم أو اخترت من بني تميم القوم، هذا مختلف، وإذا اختلف حينئذٍ لم يجز الحذف.

نحو: اخترت القوم من بني تميم فلا يجوز الحذف، فلا تقول: اخترت القوم بني تميم، لا يجوز حذف الحرف، إذ لا يدرى هل الأصل: اخترت القوم من بني تميم أو اخترت من القوم بني تميم، أما اخترت الرجال محمداً، يجوز؛ لأنه مقطوع أن محمداً مختار من الرجال، اخترت من الرجال محمداً.

إذاً: اخترت، لا يجوز أن تقول: اخترت القوم من بني تميم، إذ لا يدرى هل الأصل اخترت القوم من بني تميم أو اخترت من القوم بني تميم، لاحتمال اللبس، وأما اخترت الرجال محمداً نقول: هذا متعين؛ لأن محمد واحد والرجال هذا متعدد، فحينئذٍ لا بأس بحذف حرف الجر.

وأما (أنَّ) بالتشديد فرع (إنَّ)، و (أنْ) بالتخفيف فيجوز حذف حرف الجر معهما قياساً مطرداً، بشرط: أمن اللبس، كقولك: عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا، يعني: من أن يدوا، حذفت (من)؛ لأن المعنى واضح، لأن (عجب) لا يتعدى إلا بـ (من)، عجبت من أن يدوا، أي من أن يعطوا الدية.

ومثال ذلك مع (أنَّ) بالتشديد: عجبت من أنك قائم، عجبت أنك قائم لا بأس به، فإن حصل لبس لم يجز الحذف، رغبت في أن تقوم، رغبت في أنك قائم، فلا يجوز حذف في لاحتمال أن يكون المحذوف (عن) فيحصل لبس.

واختُلف في محل (أنَّ وأنْ) عند حذف حرف الجر، فذهب الأخفش إلى أنهما في محل جر، وذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب، وجوز سيبويه الوجهين؛ لأن كلاً منهما له دليل معتبر.

ذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب؛ لأنه الأقيس.

وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لْلِمُنْجَرِّ ** نَقْلاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015