مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ: يعني إذا أمن اللبس، مفهومه: إذا لم يؤمن اللبس ليس بمطرد؛ لأن القاعدة كما سبق وعليها يجري ابن مالك رحمه الله تعالى: أن أمن اللبس وعدمه لا بد من تعليق الأحكام عليها، فما جاز حذفه وأبهم المعنى لا يجوز؛ لأنه يوقع في لبس، وما حذف ولم يوقع في لبس، حينئذٍ نقول: الأصل فيه الجواز، كما سبق في المفاعيل.
مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ: إذاً: مفهومه إذا لم يؤمن اللبس لا يجوز حتى مع (أنَّ وأنْ وكي).
كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا: عجبت، عجب يتعدى بـ (من)، عجبت من زيد.
عَجِبْتُ أَنْ يَدُوا: (أنْ) هذه حرف مصدريي.
ويَدُوا: هذا بمعنى يعطوا الدية، عجبت من أن يدوا، هذا الأصل، فحذفت (من) وبقي أَنْ يَدُوا، (أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر، حينئذٍ هل نقول: منصوب أو مجرور؟ هذا يأتي الخلاف فيه في كلام الشارح.
إذاً: وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ ... مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ
فإن خيف اللبس امتنع الحذف، كما في رغبت، رغب يتعدى بـ (في) ويتعدى بـ (عن) والمعنى يختلف، رغبت فيه أحببته، رغبت عنه كرهته، اختلف المعنى، حينئذٍ: رغبت؛ هل يجوز أن يحذف مدخول حرف الجر، وحينئذٍ نقول: يرغب يقوم زيد؟ لا يجوز، لماذا؟ لعدم أمن اللبس. رغبت أن يقوم زيد، هذا التركيب، هذا يحتمل: رغبت في قيام زيد، ورغبت عن قيام زيد، فلما أوقع في لبس امتنع الحذف، فيجب أن يذكر الحرف: رغبت في أو عن، لا بد من ذكره.
فإن حذف، لا بد من التماس معنىً أعم روعيت فيه المصلحة ودفعت تلك المفسدة، وهو كقوله: -يعني أجيب بهذا عن قوله-: ((وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ)) تَرْغَبُونَ في أو عن؟ هذا محتمل، وإذا قلنا: مع أمن اللبس شرطٌ، حينئذٍ: ما لا يؤمن معه اللبس لا يجوز الحذف، وكيف حذف في الآية؟ قيل: المراد به إفادة العموم، فروعي العموم وقدم على المفسدة الحاصلة، وهذا جواب لبعضهم.
إذاً: رغبت في أن تفعل، أو عن أن تفعل، نقول: هذا لا يجوز حذف (في) ولا (عن).
وأما قوله: ((وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ)) فيجوز أن يكون الحذف فيه بقرينة، أو لإفادة العموم.
نَقْلاً وَفِي أَنَّ وَأَنْ يَطَّرِدُ: يعني حذف الجار والمجرور بطولهما بالصلة.
مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَعَجِبْتُ أَنْ يَدُوا
قال الشارح: تقدم أن الفعل المتعدي يصل إلى مفعوله بنفسه، وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف الجر نحو: مررت بزيد، وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعول بنفسه –شذوذاً-، مررت زيداً، ومنه جاء:
تَمُرُّونَ الدِّيارَ أي: بالديار، هذا يحفظ ولا يقاس عليه.
ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير (أنَّ وأنْ) -وزد عليها (كي) -؛ لأن اللام تحذف، لكي؛ تحذف اللام قبلها، لا نقول منوية فتقدر، وهذا من المواضع التي يجوز فيها قياساً-، بل يقتصر فيه على السماع، (كي المصدرية) جئتك كي تقوم، يعني: لكي تقوم، حذف اللام نقول: هذا قياس، وقلَّ من نبه عليه كما ذكر ابن هشام رحمه الله تعالى.