أي: يجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل وهي أربعة أنواع كما سبق بيانه, ولكن انتبه أن الأصل في هذا الباب -باب الاشتغال- جواز الرفع والنصب, يجوز فيه الوجهان, فإذا امتنع الرفع حينئذٍ هل يقال بأنه من باب الاشتغال أو لا هذا محل نزاع, ولذلك هذه الصورة بعضهم أخرجها من باب الاشتغال؛ لأنك إذا قلت: إن زيداً لقيته فأكرمه, هنا لا يصح أن يقال زيدٌ, فكل ما تعين فيه الرفع دون النصب أو النصب دون الرفع, نقول هذا مخالف لأصل الشرط في باب الاشتغال أنه يجوز نصبه ويجوز رفعه, ولذلك الحالة التي تكون أصلاً هي جواز الوجهين دون ترجيح أحدهما على الأخرى.
وَالنَّصْبُ حَتْمٌ إِنْ تَلاَ السَّابِقُ مَا, يعني: شيئاً مفعول به, يَخْتَصُّ بِالْفِعْلِ, فالنصب واجب, كَـ (إِنْ وَحَيْثُمَا).
أشار المصنف إلى القسم الأول بقوله: وَالنَّصْبُ حَتْمٌ، ومعناه أنه يجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل كأدوات الشرط, نحو: (إن) و (حيثما) , فتقول: إن زيداً أكرمته أكرمك, وحيثما زيداً تلقه فأكرمه, هذا مثال مصطنع, فيجب نصب زيداً في المثالين ولا يجوز الرفع على أنه مبتدأ إذ لا يقع الاسم بعد هذه الأدوات مطلقاً على مذهب البصريين, وأجاز بعضهم وقوع الاسم بعدها, فلا يمتنع عنده الرفع على الابتداء متمسكاً بقول القائل:
لا تَجْزَعِي إِنْ مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ ...
إِنْ مُنْفِسٌ رفع بعد (إن) الشرطية, وتمسك به من قال بأنه يجوز أن يعرب مُنْفِسٌ هنا مبتدأ وجملة أَهْلَكْتُهُ خبر, مثل: زيد ضربته, وهذا جوابه أمران:
أولاً: جمهور الرواة لهذا البيت بالنصب, ولذلك منع البصريون صحة رواية الرفع, سلمنا أنها ثابتة وصحيحة يمكن تأويله, وكل ما أمكن تأويله على وجه صحيح لا يمكن أن يجعل قاعدة أو استثناء من قاعدة تخالف الأصل, كل ما أمكن تأويله بوجه صحيح لا يمكن أن يجعل أصلاً يعارض الأصل المطرد, فإذا كان الأصل المطرد هو عدم وقوع المبتدأ بعد أدوات الشرط, هذا هو الغالب, حتى في القرآن، حينئذٍ إذا جاء ما ظاهره أنه مبتدأ لا بد من التأويل, لكن دون تكلف, هنا أمكن التأويل، إِنْ مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ إن هلك منفس, لا بأس أن يكون موافقاً للمذكور وإن لم يكن في اللفظ لأنه في المعنى, أهلكت منفساً هذا متعدي, وأهلكته هذا متعدي, إذاً: لا يمكن أن نقدر المتعدي وإنما نقدر اللازم, وهو موافق له في اللفظ والمعنى لا في العمل.
إنْ مُنْفِسٌ: إن هلك منفس, فـ (منفس) هذا فاعل لفعل محذوف وجوب يفسره المذكور, مثل: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [التوبة:6] لا بأس به, مثل: ((إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ)) [الانشقاق:1].