مذهب البصريين إلا الأخفش -الأخفش هذا بصري يخالف كثير، لذلك دائماً يقال: الأخفش الأخفش؛ لأنه يخالف البصريين- أنه إذا وجد بعد الفعل المبني لما لم يسم فاعله مفعول به ومصدر وظرف وجار ومجرور، تعين إقامة المفعول به مقام الفاعل، ضُرِب زيدٌ ضرباً شديداً يوم الجمعة أمام الأمير في داره، مشوار! ضُرِب: هذا فعل ماضي مغير الصيغة، زيدٌ نائب فاعل، هو مفعول به، الأصل: ضربَ عمروٌ زيداً إلى آخره، فحذف عمرو، فأقيم المفعول به مقامه، حينئذٍ يبقى كل شيء في محله، لا يمكن أن يتعدى الظرف، والمفعول يتقدم عليه أبداً، رتبته أعلى لا يرفع رأسه، فيبقى المفعول به هو النائب؛ لأنه صار عمدة، كان فضلة فحينئذٍ صار عمدة، فكل منهما يتنافس، لكن لا يتقدم على المفعول به، فرُفِع المفعول به فصار زيدٌ، ضُرب زيدٌ انتهينا، ماذا بقي؟ ضرباً شديداً مصدر، يوم الجمعة ظرف زمان، أمام الأمير مكان، في داره جار ومجرور، هذه كلها تبقى كما هي، ولا يجوز أن يعرب واحدٌ منها مفعول به، فلا يقال: ضُرِبَ زيداً ضربٌ شديدٌ على إنابة المصدر، ولا يجوز أن يقال: ضُرِبَ زيداً ضرباً شديداً يومُ الجمعةِ، ولا يجوز أن يقال: ضُرِبَ زيداً ضرباً شديداً يوم الجمعة أمامُ الأمير، أو في داره على أنه هو نائب الفاعل؛ كل ذلك لا يجوز على مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أنه يجوز إقامة غيره، وهو موجود مطلقاً تقدم أو تأخر، اتصل بالعامل أو لا، مطلقاً يجوز، واحتجوا بقراءة أبي جعفر: (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، يُجْزِيَ، هذا فعل مغير الصيغة، (قَوْماً) هذا بالنصب، ليس عندنا إلا مفعول وجار ومجرور، ويَجْزِيَ هذا مغير الصيغة، لابد من نائب فاعل، ولابد أن يكون إما قَوْماً وإما بِمَا، وبقي المفعول على حاله، قَوْماًً بالنصب، فدل على أنه لم يُنب عن الفاعل إذ لو أُنيب لرُفع.