إذاً: نعرب المجرور فقط، فنقول: نائب فاعل مرفوع ورفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، مثلما نقول: ((مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ)) [المائدة:19] إذاً: لا نقول: الجار والمجرور هنا .. أو الجار لوحده، أو .. لا، باتفاق أن المجرور الذي دخل عليه حرف الجر الزائد أنه نائب الفاعل، وأما الحرف هنا فوجوده وعدمه سواء من حيث الإفادة، وإنما جيء به من حيث التأكيد، إذاً: حرف الجر الزائد لا دخل له في هذا الباب، فقوله: حَرْفِ جَرٍّ، المراد به الأصلي، حرف الجر الأصلي، وأما الزائد: فالمجرور قولاً واحداً هو نائب الفاعل، فإن جر بغير زائد -حرف جر أصلي- وهو الذي عناه الناظم، ففيه أربعة مذاهب:
الأول وعليه الجمهور: أن المجرور هو النائب في محل رفع، أن المجرور لوحده دون حرف الجر هو النائب، فإذا قيل: مُرَّ بزيدٍ زيدٍ هو نائب الفاعل، حينئذٍ الباء دخلت على أي شيء وماذا أفادت، وهل أثرت أو لا؟! أسئلة لا أجوبة عليها، هذا القول به عسير، وعليه الجمهور أن المجرور هو النائب في محل رفع.
الثاني: أن النائب ضمير مبهم مستتر في الفعل، وجعل مبهماً ليحتمل ما يدل عليه الفعل من مصدر أو زمان أو مكان، إذ لا دليل على تعيين أحدها وعليه ابن هشام، وهذا فيه تكلف واضح بين.
الثالث: أن النائب حرف الجر وحده في محل رفع -وهذا غريب- في محل رفع كما أنه وحده بعد الفعل المبني للفاعل في محل نصب، نحو: مررت بزيد، وهذا مذهب الفراء، وهو أغربها، إذ الحرف لا معنى له، القياس هنا فاسد، القياس مُرَّ بزيد، كقولك: مررت بزيدٍ، بزيد النحاة يقولون: هذا في المعنى مفعول به، لكن لا يعرب مفعول به، يعني: سبق معنا تعيين أو التكرار على أن حلَّ المعنى قد يكون باعتبار الإعراب، وقد يكون باعتبار المعنى فحسب، يعني: ترك النظر إلى الكلام –التركيب-، قد يؤخذ أشياء ومقدَّرات ومحذوفات .. إلى آخره، من جهة تصحيح المعنى، وفهم المعنى العام للفظ سواء كان آية أو حديث أو بيت شعر أو نحو ذلك، وقد يكون لا، ثم تقديرات تصحيح الإعراب نفسه، لا يصح الإعراب إلا بهذا المقدر، نقول: على حذف مضاف، وهذا سبق فيه: باب شرح كلام، هذا باب شرح الكلام وشرح ما يتألف منه الكلام.
فإذا قيل: مُرَّ بزيدٍ، زيدٍ هذا مفعول به؛ لأن الأصل مررتُ زيداً، هذا صحيح، مررت زيداً، في المعنى هو مفعول به؛ لأن المفعول به هو ما يقع عليه فعل الفاعل، وهنا قد وقع عليه المرور، ولكن لما كان الفعل قاصراً لازماً غير متعدٍ بنفسه تعدى بحرف جر، فإذا قيل: مررت بزيدٍ، مررت فعل وفاعل، بزيدٍ هذا جار ومجرور متعلق بقوله: مر، حينئذٍ لا نتعرض لكونه مفعولاً به أو لا، لكن نائب الفاعل .. لا، نائب الفاعل حكمٌ على اللفظ قبل المعنى؛ لأننا نحذف الفاعل لفظاً، وأما المعنى هذا لا دخل لنا فيه، ونقول: ضرب زيدٌ عمراً، حذفنا زيد، إذاً: عمروٌ صار نائب فاعل، إذاً لابد أن يكون لفظ وله أحكام تعتري اللفظ والمعنى، المعنى يكون تابعاً له، فحينئذٍ إذا قيل: مُرَّ بزيد الباء هي حرف جر، هي التي نابت عن الفاعل، وما المعنى الذي أدته الباء مثلما أدت غيره، تقول: هذا فاسد ليس بصحيح، إذاً: هذا مذهب الفراء.