ومن المصادر ما يفارق النصب على المصدرية، والمختص من الظروف ما خصص بشيء من أنواع الاختصاص كالإضافة يوم الخميس مثلاً، والصفة: يوم حارٌ أو يومٌ بارد، وكذلك العلمية: رمضان مثلاً وشعبان ونحو ذلك، ومن المصادر ما يكون لغير مجرد التوكيد، كأن يكون دالاً للعدد أو النوع؛ لأن المفعول المطلق سيأتينا ثلاثة أنواع: ما يدل على العدد، ما يدل على النوع، كذلك المؤكِّد، ما لم يكن مؤكِّداً حينئذٍ صح أن يكون نائباً عن الفاعل.
إذاً: وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ: ليس كل ظرف، بل الظرف المختص المتصرف، والظرف غير المختص لا يصح أن يكون نائباً عن فاعل.
وكذلك مِنْ مَصْدَرِ: وكذلك مختص متصرف، فما لم يكن متصرفاً من النوعين لا يصلح أن يكون نائب فاعل: جُلِسَ عند الأمير، يصلح أو لا يصلح؟
لا يصلح، ((وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ)) [الأعراف:149] يصلح، سير بزيد، بزيد هذا جار ومجرور سيأتينا أيضاً: ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ)) [الحاقة:13]، نَفْخَةٌ، نقول: هذا على قول البعض: نائب فاعل، وهو مصدر، ((نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ)) [الحاقة:13]، وَاحِدَةٌ تأكيد؛ لأن النفخ هذا فعل يدل على الواحدة، وأؤكد بقوله: وَاحِدَةٌ، من باب التوكيد.
وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أوْ مِنْ مَصْدَرِ ... أَوْ حَرْفِ جَرٍّ: بعضهم قدر: أو مجرور حرف جر، لماذا؟ لأنه إذا قيل: مُرَّ بزيد، بزيد جار ومجرور الباء حرف جر، وزيد اسم مجرور بالباء، ما الذي ناب عن الفاعل؟ هنا ثلاثة احتمالات: إما الباء وحده وإما زيد وحده، وإما هما معاً، عند جماهير البصريين أن النائب هو زيد فقط ليس الباء، وعند الفراء: الباء فقط، وعند بعضهم -وهم قلة-: المجموع -الباء ومدخوله- وهو الصحيح، أنه الجار والمجرور معاً هو الذي ناب عن المفعول، وهذا فيما لم يكن الحرف زائد، فإن كان زائداً فمحل وفاق أن المجرور هو الذي يكون نائباً عن الفاعل.
إذاً: أَوْ حَرْفِ جَرٍّ قدر الأشموني هناك: أو مجرور حرف جر، ليوافق مذهب البصريين: أن المجرور هو الذي ينوب عن الفاعل؛ لأنه قال: وَقَابِلٌ مِنْ ظَرْفٍ أوْ مِنْ مَصْدَرِ، أو مجرور حرف جر، حينئذٍ المجرور هو الذي ناب عن الفاعل.
كذلك يكون حرف الجر قابل للنايبة وقد لا يكون قابلاً، مثل الظرف والمصدر، متى يكون قابلاً ومتى لا يكون؟ القابل للنايبة من المجرورات: هو الذي لم يلزم الجار له طريقة واحدة، يعني: لا يلزم طريقة واحدة كما سيأتينا في باب حروف الجر، القابل للنايبة من المجرورات: هو الذي لم يلزم الجار له طريقة واحدة، حرف الجر بعضه لا يدخل إلا على اسم الزمان، وبعضه لا يدخل إلا على الاسم الظاهر، وبعضه لا يدخل إلا على المقسم به، وبعضه على الاستثناء .. هذا خاص، نقول: هذا لزم طريقة واحدة، مثل النصب على الظرفية في (عند) و (ثَمَّ)، نقول: هذا غير قابل للنايبة، وأما لا يختص حينئذٍ نقول: هذا يجوز أن يكون نائباً عن الفاعل.
الذي لم يلزم الجار له طريقة واحدة في الاستعمال كـ: (مذ ومنذ ورب وحروف القسم والاستثناء وحتى .. ) ونحو ذلك، هذا أولاً.