عُلِّقتُهَا عَرَضَاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً ... غَيْرِى وَعُلِّقَ أُخْرَى غيرَها الرَّجُلُ
ثلاثة أفعال كلها مبنية للفاعل، عُلِّقتُهَا: يعني أحبها، عَرَضَاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً غَيْرِى وَعُلِّقَ أُخْرَى غيرَها الرَّجُلُ، حينئذٍ لو ذكر الفاعلِينَ هنا، حينئذٍ لما استقام له الوزن.
وأما الأسباب المعنوية فكثيرة، منها كون الفاعل معلوماً للمخاطب ((خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) معلوم أن الخالق هو الله عز وجل، فيحذف حينئذٍ الفاعل للعلم به بين المخاطب والمتكلم، كذلك كونه مجهولاً للمتكلم لا يعرفه: "سُرِقَ الَمَتَاعُ "، سرق السارق المتاع هذا الأصل، هنا لم يحذف لكونه لا يمكن أن يوجد الفعل، لا، يمكن أن يوجد باسم فاعل مشتق من مصدر الفعل، سُرق سَرق، السارق متاعي، لكن إذا قيل: سرق السارق متاعي، أو سرق اللص متاعي .. ليس فيه كبير فائدة، لن يسرق إلا اللص، ولن يسرق إلا السارق، ولذلك لما قيل: سرق متاعي علمنا أنه سارق، وعلمنا أنه لص؛ إذ ليس سارق وليس بلص، نقول: هذا معلوم من السياق.
كذلك رغبة المتكلم في الإخفاء: تُصدق بألف دينار، أراد نفسه مثلاً ولم يرد أن يخبر بأنه الذي تصدق، تُصدق بألف دينار، ومنها رغبة المتكلم في إظهار تعظيم للفاعل لئلا يقترن به ما هو حقير، خلق الخنزير، خلق الحمار، خلق إبليس .. معلوم أن إبليس والخنزير والحمار هذه مما يستقذر منها.
كذلك رغبة المتكلم في إظهار تحقير الفاعل بصون لسانه عن أن يجري بذكره: ادُّعِيَت النُّبُوَّةُ، يريد احتقار المدعي، فيحذف الفاعل حينئذٍ، ومنها خوف المتكلم من الفاعل فيعرض عن ذكره، لا يريد أن يبين، قيل: ارتُكب كذا، أو فُعل كذا، ويخشى من الفاعل هو يعلمه لكن يخفيه من أجل خوفه على نفسه.
وغير ذلك من المعاني التي يتكلم عنها البيانيون
وحذفُهُ للخَوفِ والإِبهَامِ ... والوَزنِ والتَّحقِيرِ والإِعظَامِ
والعِلمِ والجَهَلِ والاقتِصَارِ ... والسَّجعِ والوِفَاقِ والإِنكَارِ
وغير ذلك من الأغراض التي يتكلم عنها البيانيون، وإنما غرض النحاة هنا في بيان الأحكام، ما الذي ينبني على الكلمة إذا حذف الفاعل وأنيب المفعول أو غيره منابه!
قال: يَنُوبُ مَفْعُولٌ، يَنُوبُ هذا فعل مضارع ومَفْعُولٌ فاعل-المفعول هنا فاعل-.
مَفْعُولٌ بِهِ إن كان موجوداً، وإن لم يكن موجوداً حينئذٍ ينوب غيره، فليس كلامه هنا على إطلاقه وينوب مفعول به إن كان للفعل مفعولاً واحداً، وينوب عن الفاعل مفعول أول إن كان له أكثر من مفعول، وسيأتي خلاف في المفعول الثاني.
إذاً قوله: يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ، نقول: إن وجد المفعول في الكلام، وإن لم يوجد حينئذٍ عدل إلى ما ينوب عنه، كذلك مَفْعُولٌ بِهِ: نقول: هذا قد يصدق على المفعول حقيقة وهو فيما إذا كان الفعل له مفعولاً واحداً ضرب زيد عمراً، لا شك أنه مفعول واحد، فتقول: ضُرب عمروٌ، وسيأتي البحث فيما إذا كان متعدياً إلى اثنين سواء كان من باب كسى، أو باب علم، أو متعدي إلى ثلاثة.