ولذلك قلنا: عم .. عام، هذا خلاف الفصيح، لماذا؟ لأن حذف الألف الأصل بقاؤها، ولا تحذف من أجل الوزن، فحينئذٍ إذا كان ضرورة نقول: هذا قبيح، قد تكون الضرورة قبيحة وقد لا تكون، إذاً: كَلِمة وكِلْمة وهُو وهْو، نقول: هذا كله من باب اللغات، ولا نقول: إنه من باب الضرورات، وإن كان بالفعل ضرورةً ألجأت الناظم إلى ذلك.

ثم قال المصنف رحمه الله تعالى:

بالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ وَالنِّدَا وَأَلْ ... وَمُسْنَدٍ لِلاِسْمِ تَمْيِيزٌ حَصَلْ

لما قسم لك الكلمة إلى ثلاثة أقسام: اسم وفعل وحرف، شرع في ذكر العلامات التي يتميز بها كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة، كل واحد من هذه الأنواع الثلاثة يحتاج إلى ما يميزه عن غيره؛ لأن ثم قدراً مشتركاً بين هذه الثلاث، ما هو القدر المشترك بين هذه الثلاث؟ نقول: كونها قول مفرد، حد الكلمة موجود في الاسم، وحد الكلمة موجود في الفعل، وحد الكلمة موجود في الحرف، ولذلك وجود الحد في الأصل يكون ذهنياً، يعني: قول مفرد، إذا قيل: ما الكلمة؟ نقول: قول مفرد، قول مفرد: هو حد الكلمة .. حقيقة الكلمة .. ماهية الكلمة، أين يوجد، أين وجوده؟

وجود ذهني بحت، شيء خارج الذهن، هل له وجود، قول مفرد؟ هل له وجود هكذا؟ لا وجود له، أين يوجد؟ يوجد في ضمن أفراده، زيد: قول مفرد، قام: قول مفرد، إلى: قول مفرد، لماذا؟ لأن الحقائق الكلية هذه لا يمكن أن توجد دفعةً واحدة في الخارج، لا يمكن؛ لأن الأسماء لا حصر لها، والأفعال لا حصر لها، والحروف كذلك لا حصر لها، حينئذٍ إن وجدت في الخارج، نقول: إما أن توجد في ضمن أفرادها وآحادها ومصدقاتها، وإما ألا توجد كذلك، إذا جوزنا الثاني معناه: يوجد شيء يقال له: قول مفرد وليس باسم ولا فعل ولا حرف، وهذا لا وجود له .. ممتنع.

وإنما توجد الحقائق الذهنية في ضمن أفرادها، حينئذٍ لا بد من تمييز هذه الأنواع الثلاثة إما بالحقيقة، وإما بالعلامة، يعني: إذا أردنا أن نميز الاسم عن قسيميه الفعل والحرف، ونميز الفعل عن قسيميه الاسم والحرف، ونميز الحرف عن قسيميه الاسم الفعل، إما أن ننظر إلى حقيقة كل نوع من هذه الأنواع، وهذا إنما يكون بالحدود والتعاريف، وإما أن ينظر إليها بالعلامات، والمصنف هنا رحمه الله ذكر العلامات ولم يذكر الحد، مع كونه ذكر حد الكلام وعرفه.

وسيأتي هنا كأنه يعرف بالمثال، والتعريف بالمثال هذا سائغ عند بعضهم:

مُبْتَدَأ زَيْدٌ وَعَاذِرٌ خَبَرْ ... إِنْ قُلْتَ زَيْدٌ عَاذِرٌ مَنِ اعْتَذَرْ

هذا تعريف أو لا؟ تعريف، تعريف بالحقيقة أو بالمثال؟ بالمثال، إذاً: يصح أن يعرف الاسم، فيقال: الاسم كزيد، وفرس، والفعل كقام ويقوم وقم، والحرف كهل وفي ولم، يصح أو لا؟ يصح، لماذا؟ لأن الاسم حينئذٍ وجد أو وجدت حقيقته في ضمن الفرد المذكور المقرون معه، لكن هل هو وجود كلي، أم جزئي؟ لا شك أنه وجود جزئي؛ لأنه إذا أراد أن يُعرِّف بالمثال على وجه الكلية حينئذٍ يقول: الاسم كزيد وعمرو وخالد وبيت وقلم .. يعد الأسماء كلها، حتى يحصر كل ما ذكر ثم يعرف به الاسم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015