إذاً: لا بد من تقييد البيت السابق، وقد يبيح الفصل بغير (إلا)؛ لأن الحكم مختلف، لا بد من تقييده بالبيت الذي بعده، وقد يبيح الفصل بغير (إلا).
وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ: يعني بين الفعل والفاعل بِإلاَّ، فُضِّلاَ: على الإثبات، وهذا خلاف ما عليه الجمهور، جمهور النحاة على أنه إذا كان الفاصل هو (إلا) وجب التذكير، التذكير واجب، لا يجوز فيه الوجهان، يجب تجريد الفعل من علامة تدل على تأنيث الفاعل، فإذا قيل: ما قام إلا هند، هذا المثال: ما قام إلا هند، قام: فعل، وهند: فاعل، وفصل بينهما بـ (إلا) ما قام إلا هند، الجمهور يعللون وجوب التذكير بأن (هند) ليست بفاعل في الحقيقة؛ لأن الأصل: ما قام أحد إلا هند، وحينئذٍ كان من باب الاستثناء المفرَّغ، وحينئذٍ وجب تذكير الفعل لكون الفاعل مذكراً، وهند هذا يعتبر بدلاً مما قبله، ولذلك الجمهور على خلاف ما ذهب إليه ابن مالك رحمه الله تعالى.
وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإلاَّ فُضِّلاَ على الإثبات.
كَمَا: كقولك: مَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلاَ - فَتَاةُ ذَاتَ حِرِ -، إذاً: مؤنث تأنيث حقيقي، فصل بينه وبين عامله بـ (إلا)، وحينئذٍ فيه قولان: جماهير النحاة على وجوب تجريده من علامة التأنيث، وذهب ابن مالك في قلة من النحاة إلى أنه لا بأس أن يؤنث، بل التأنيث جائز لكن الحذف أجود، ولذلك قال: وَالْحَذْفُ فُضِّلاَ، الألف هذه للإطلاق.
كَمَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلاَ
معناه: ما زكا أحد إلا فتاة ابن العلا، ويجوز: ما زكت إلا فتاة ابن العلا، ما قامت إلا هند بالتأنيث، بالوجهين عند ابن مالك رحمه الله تعالى والحذف أجود، وخصه الجمهور بالشعر، أما في النثر فهو ممنوع.
قال: وإذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث بـ (إلا) لم يجز إثبات التاء عند الجمهور أياً كان الفاعل، لم يجز إثبات التاء عند الجمهور، فتقول: ما قام إلا هند وما طلع إلا الشمس، ولا يجوز: ما قامت إلا هند ولا: ما طلعت إلا الشمس، وقد جاء في الشعر كقوله:
فَمَا بَقِيَتْ إلاَّ الصُّدُورُ الجَرَاشِعُ
فقول المصنف: إن الحذف مفضل على الإثبات يشعر بأن الإثبات أيضاً جائز وليس كذلك، ومذهب ابن مالك رحمه الله تعالى له أصل في لسان العرب، بل له أصل في القرآن، قال تعالى: ((فَأَصْبَحُوا لا تُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)) -في قراءةٍ- ((لا تُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)) مساكن هذا جمع، فحينئذٍ يؤنث ويترك، وقد أنث مع وجود الفصل هنا بـ (إلا).
كذلك قوله تعالى: ((إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةٌ وَاحِدَةً)) صَيْحَةٌ: هذا مؤنث تأنيث مجازي، ومراد المصنف هنا: وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإلاَّ فُضِّلاَ؛ ما يشمل النوعين، سواء كان المؤنث مؤنثاً حقيقياً أو مؤنثاً تأنيثاً مجازياً، ولذلك ابن عقيل مثل بمثالين للنوعين: ما قام إلا هند وما طلع إلى الشمس، حينئذٍ دل على أن مراده عام، حينئذٍ الاستدلال بهذه الآية: ((فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ)) استدلال صحيح، فلا يقال بأنه مؤنث مجاز.
وكذلك في قوله: ((إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةٌ وَاحِدَةً)) نقول: مؤنث مجازي لكنه مراد، فصل بينه وبين عامله بـ (إلا).