أما الحقيقي التأنيث إذا اتصل بعامله ولم يكن نِعْم وبئس وجب التأنيث، إذا فصل بينهما قلنا: جاز التأنيث وجاز تركه، والإثبات أجود، يعني: التأنيث أجود، لذا قال: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ.

بِنْتُ: هذا ذَاتَ حِرِ، فالأصل فيه وجوب التأنيث، أتى ما قال: أتت، لو أنث لقلنا: أتت، ويجوز ترك التأنيث فتقول: أتى القاضي بنت الواقف، فصل بين العامل والفاعل وهو بنت الواقف بالمفعول به، فلو تأخر تقول: أتى بنت الواقف القاضي وجب التأنيث، وجب التأنيث لاتصال هذا بعامله، وأما إذا فصل بينهما حينئذٍ نقول: جائز التأنيث، وهذا محل وفاق أيضاً.

وَقَدْ يُبِيْحُ: قد هنا للتقليل.

يُبِيْحُ: هنا جمع بين الإباحة وقد التي تفيد التقليل، دل على أن الإثبات أجود وأولى من الحذف، فأتت القاضي بنت الواقف أفصح من قولنا: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ، لماذا؟ لكون الأصل في المؤنث الفاعل المؤنث الحقيقي أنه يؤنث، هذا الأصل فيه، فإذا فصل بينهما جوَّز الترك ولم يكن هو الأفصح والأشهر، وإنما بقاؤه على ما هو عليه هو الأولى، لأنه لا زال فاعلاً، بالفصل لم ينفك عنه وصف الفاعل، فبقاؤه فاعل وهو مؤنث والعامل فعل فحينئذٍ الأصل بقاء ما كان على ما كان.

بالفصل جوز ترك التأنيث، وحينئذٍ نقول: قوله: وَقَدْ يُبِيْحُ: قد للتقليل، يُبِيْحُ: هذا أفاد منه الإباحة، للتعبير بـ (قَدْ) والإباحة إشعار بأن الإثبات أجود.

وَقَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ: هذا فاعل يبيح.

الْفَصْلُ: هذا أيضاً يقيد بالبيت الذي يليه، بأن يكون الفصل بغير (إلا)، إن كان الفصل بـ (إلا) فله حكم آخر.

إذاً: كلها مرتبطة ببعضها البعض.

قَدْ يُبِيْحُ الْفَصْلُ بغير (إلا) بين الفعل وعامله الظاهر الحقيقي التأنيث ترك التاء، أي تاء؟ تاء التأنيث السابقة، فـ (أل) هنا للعهد الذكري.

قد يبيح الفصل بغير (إلا) بين الفعل وعامله الظاهر الحقيقي التأنيث ترك التاء، فلا يؤنث، كما في فعل مسند إلى ظاهر مؤنث حقيقي نحو قولك: أَتَى الْقَاضِيَ بِنْتُ الْوَاقِفِ، فبنت الواقف: هذا مؤنث حقيقي التأنيث، وأتى: فعله، وجرد عن التأنيث للفصل بينه وبين معموله الفاعل بالمفعول.

بِنْتُ الْوَاقِفِ الواقف يعني صاحب الوقف.

إذا فصل بين الفعل وفاعله مؤنث حقيقي بغير (إلا) جاز إثبات التاء وحذفها، والأجود الإثبات كما أشار إليه بـ (وَقَدْ يُبِيْحُ)، فتقول: أتى القاضي بنت الواقف، والأجود: أتت، وتقول: قام اليوم هند، والأجود: قامت.

إذاً: هذا البيت يعتبر استثناء وتخصيص لقوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ لأن قوله: أَوْ مُفْهِمٍ ذَاتَ حِرِ؛ يُفهِم أنه متى ما كان المؤنث حقيقي التأنيث وهو فاعل وجب التأنيث مطلقاً فصل أو لا، وسواء فصل بـ (إلا) أو بغير (إلا)، جاء بهذا البيت ليقيد المطلق الذي سبق.

وَالْحَذْفُ مَعْ فَصْلٍ بِإِلاَّ فُضِّلاَ ... كَمَا زَكَا إِلاَّ فَتَاةُ ابْنِ الْعَلاَ

وَالْحَذْفُ: يعني للتاء من فعل مسند إلى ظاهر مؤنث حقيقي التأنيث مَعْ فَصْلٍ بين الفعل والفاعل بِ (إِلاَّ) فُضِّلاَ، الحذف فضلا على الإثبات، عكس الفصل السابق، الإثبات فضل على الحذف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015