وأما حذفهما لدليل ويسمى اختصاراً، فجائز إجماعاً -حذف المفعولين-، ولا تجز بلا دليل سقوط مفعولين، سقوط المفعولين بدليل جائز، مفهوم مخالفة، بلا دليل مفهومه أنه إذا كان بدليل، وسقط المفعولان جائز، وهذا محل إجماع:
بِأَيِّ كِتَابٍ أَمْ بأَيَّةِ سُنَّةٍ ... تَرَى حُبَّهُمْ عَاراً عَلَىَّ وَتَحْسِبُ
وَتَحْسِبُ، أين المفعولان؟ محذوفان، التقدير وتحسب حبهم عاراً علي.
إذاً: حذف المفعولين بدلالة ما سبق عليه: ((أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) [القصص:62]، تزعمون ماذا أين هو؟ أين المفعولان؟ محذوفان، تزعمونهم شركائي.
إذاً: حذف المفعولين اختصاراً جائز بالإجماع، وفي حذف أحدهما اختصاراً خلاف، هذا من أغرب الخلاف عند النحاة، وفي حذف أحدهما اختصاراً خلاف، فأجازه الجمهور ومنعه البعض.
إذاً: الخلاصة نقول: يجوز بالإجماع حذف المفعولين اختصاراً، وأما حذفهما اقتصاراً فالأكثرون على الجواز، ومنعه سيبويه وظاهر النظم على ذلك.
ويمتنع حذف أحدهما اقتصاراً بالإجماع، وأما اختصاراً ففيه خلاف أجازه الجمهور ومنعه البعض.
قال: لا يجوز في هذا الباب سقوط المفعولين ولا سقوط أحدهما إلا إذا دل عليه دليل.
مثال حذف المفعولين: هل ظننتَ زيداً قائماً، إذا وقع في سؤال، تقول: ظننتُ يعني: ظننتُ زيداً قائماً، والبيت الذي ذكرناه سابقاً والآية.
ومثال حذف أحدهما للدلالة أن يقال: هل ظننتَ أحداً قائماً؟ ظننتُ زيداً، حذفت الثاني؛ لدلالة السؤال، أي: ظننتُ زيداً قائماً، تحذف الثاني للدلالة عليه:
وَلَقَدْ نَزَلْتِ فَلاَ تَظُنِّي غَيْرَهُ ... ... مِنِّي: تَظُنِّي غَيْرَهُ واقعاً مني، حذف الثاني لدلالة المقام عليه.
وهذا الذي ذكره المصنف هو الصحيح من مذاهب النحاة، فإن لم يدل دليل على الحذف لم يجز لا فيهما ولا في أحدهما، فلا تقل: ظننتُ، ظننتُ ماذا؟! ولا ظننتُ زيداً، ولا ظننتُ قائماً، تريد ظننتُ زيداً قائماً.
وَكَتَظُنُّ اجْعَلْ تَقُولُ إِنْ وَلِي ... مُسْتَفْهَمَاً بِهِ وَلَمْ يَنْفَصِلِ
القول -كما سبق معنا مراراً- هو وما اشتُق منه: (قال، يقول، قل)، يتعدى إلى مفعول وينصب مفعول، والأصل أن يكون جملة محكية: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)) [مريم:30]، قَالَ: فعل ماض، ذكرناه عند قوله: قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ، قلنا يتعدى إلى مفعول واحد، والغالب فيه أن يكون محكياً، -جملة محكية-: ((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ))، وحينئذٍ نقول: الأصل فيه أن الجملة تحكى كما هي، يعني: لا ننصبها؛ لأنه قال: قال محمدٌ عمروٌ منطلقٌ لا نقول: قال محمدٌ عمراً منطلقاً، فننصبهما على تسليط قال، لا، بل تحكى كما هي، وإن جوز بعضهم النصب، لكن المشهور أنها تحكى كما هي، إن كانت مبنية مبنية فعلية، وإن كانت اسمية فهي على الرفع.