إذاً: ثم مسألة هنا تخالف ما سبق، ولاَ تُجِزْ هُنَا، يعني: في هذا الباب بِلاَ دَلِيلِ سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ: لا تجز سقوط مفعولين، لا تقل: ظننتُ وتسكت، متى هذا؟ إذا لم يكن بلا دليل، مفهومه: إذا كان ثم دليل يعني: قرينة، حينئذٍ، هل زيدٌ قائمٌ؟ تقول: ظننتُ، يعني: ظننتُ زيداً قائماً، وقع في جواب السؤال، فجاز حينئذٍ حذف المبتدأ أو حذف المفعول الأول وخبره، بِلاَ دَلِيلِ: وهذا يسمى -الحذف إذا كان بلا دليل- يسمى اقتصاراً، وإذا كان بدليل يسمى اختصاراً، ففرق بين الاختصار والاقتصار، الاقتصار حذف بلا دليل، والاختصار حذف بدليل، ولاَ تُجِزْ هُنَا بِلاَ دَلِيلِ، يسمى اقتصاراً، يعني: الحذف بلا دليل يسمى اقتصاراً، بالاقتصار على نسبة الفعل إلى الفاعل بتنزيله منزلة اللازم في صورة حذف المفعولين، إذا حذفنا المفعولين ولم يجز- في الاقتصار الكلام في الاقتصا، إذا حذفنا المفعولين، تقول: ظننت، هنا نزلته مُنَزّلَة الفعل اللازم الذي لا يتعدى، وعلى أحد المفعولين، يعني: في صورة حذف أحد المفعولين، لتنزيله المتعدي إلى واحد، بصورة حذف أحدهما، إذا قلت: ظننتُ زيداً، شبهته بـ (ضربت زيداً) هذا فيه نوع اقتصار.
وَلاَ تُجِزْ هُنَا بِلاَ دَلِيلِ ... سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ
أما الثاني فبالإجماع: لاَ تُجِزْ بِلاَ دَلِيلِ سُقُوطَ مَفْعُولِ: الثاني هذا بالإجماع، يعني: بالاقتصار في حال الاقتصار؛ لأنه فرق بين الحالين، أما الثاني فبالإجماع لا يجوز، وفي الأول الذي هو سقوط المفعولين وهو حذفهما معاً اقتصاراً خلافٌ.
إذاً: عندنا حالان: سقوط مفعولين أو مفعول، سواء كان الأول أو الثاني عندنا حالان.
القسم الثاني: الذي هو سقوط المفعول هذا بالإجماع لا يجوز اقتصاراً، وفي الأول: سقوط المفعولين وحذفهما معاً اقتصاراً خلاف، فعن سيبويه والأخفش المنع مطلقاً كما هو ظاهر إطلاق الناظم، عن سيبويه والأخفش المنع مطلقاً، يعني: سقوط المفعولين فيه خلاف، اقتصاراً بلا دليل، والناظم هنا قال: وَلاَ تُجِزْ سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ بِلاَ دَلِيلِ، إذاً: وافق سيبويه والأخفش، وعن الأكثرين الجواز مطلقاً.
الجمهور أنه يجوز بلا دليل سقوط المفعولين، وعن الأكثرين الجواز ملطقاً، لقوله: ((أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى)) [النجم:35]، أي: يعلم، رأى علمية هنا، ما ذكر المفعول ولا المفعول الثاني، لا الأول ولا الثاني سقط المفعولان.
وليس في التركيب ما يدل على تقدير هذين المفعولين، فدل على أنه يجوز حذف المفعولين اقتصاراً بلا دليل، ((وَظَنَنْتُمْ (ظنَّ) السَّوْءِ)) [الفتح:12]، أين المفعولان؟ محذوفان، ((ظَنَّ السَّوْءِ)) هذا مفعول مطلق، أين المفعولان؟ لا وجود لهما، هذا اختصار.
إذاً: حذف مفعول واحد منهما اقتصاراً لا يجوز بالإجماع، وأما حذف المفعولين اقتصاراً ففيه خلاف، منعه سيبويه والأخفش، وظاهر كلام الناظم عليه، والجمهور على الجواز للآيتين المذكورتين.