انْمِ انسب، لِرَأى: التي مصدرها الرؤيا وهي حلمية، الذي انْتَمَى: انتسب لِعَلِمَا حال كونه: طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ، أي: قبل ذكر علم العرفانية، قبل: يعني: قبل ذكر علم العرفانية، وهي السابقة، لِعَلِمَا: نقول: هذا جار ومجرور متعلق بقوله: انْتَمَى، طَالِبَ بالنصب حال من فاعل علم، طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ: أي: قبل ذكر علم العرفانية، وانْتَمَى، بمعنى: انتسب، أي -معنى البيت-: انسب لرأى التي مصدرها الرؤيا الذي انتسب لعلِم متعدية إلى مفعولين من الأحكام؛ ولذلك لأنها مثلها من حيث الإدراك بالحس الباطني، رأى الرؤيا حسٌ باطني، وعلم الاعتقادية اليقينية كذلك حسٌ باطني، هذا وجه المشابهة فحملت عليه، إذا كانت رأى حلمية بإسكان اللام ويتحرك بالضم، حُلُمية وحُلْمية التي للرؤيا في المنام تعدت إلى مفعولين كما تتعدى إليهما علِم، مذكورة مِنْ قَبْلُ، يعني: قبل علم العرفانية، ولذلك قال: طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ، هذا قيد به؛ لئلا يعتقد أنه أحال على علم العرفانية، ولهذا أشار بقوله: وَلِرَأى الرُّؤيا انْمِ: أي: انسب لرأى التي مصدرها الرؤيا، وليس مطلقاً، وإنما هو في المشهور الأكثر، احترازاً من رأى رؤية، حينئذٍ هذه بصرية لا تتعدى إلا إلى واحد.
قال ابن هشام: ولا تختص الرؤيا بمصدر الحلمية، بل تقع مصدراً للبصرية، خلافاً للحريري وابن مالك؛ بدليل: ((وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ)) [الإسراء:60]، قال ابن عباس: هي رؤيا عين، لكن الأكثر والأشهر أن رأى حلمية، مصدرها يطلق رؤيا، وأما الأشهر والأكثر في رأى البصرية فهو (رؤية) بالتاء، وتلك بالألف، ولا مانع من أن يأتي هذا مقام ذاك.
انسب لرأى التي مصدرها الرؤيا ما نسب لعلم المتعدية إلى اثنين، فعبر عن الحلمية بما ذكر؛ لأن الرؤيا وإن كانت تقع مصدراً لغير رأى الحلمية، وهذا كلام جيد، فالمشهور كونها مصدراً لها، ومثال استعمال رأى الحلمية المتعدية لاثنين قوله تعالى: ((إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا)) [يوسف:36]، أَرَانِي: الرؤيا هذه حلمية، والياء هذه مفعول أول، وأَعْصِرُ خَمْرًا، الجملة هذه في مفعول ثاني. إذاً: تعدت إلى مفعولين، حملت على علم التي تتعدى إلى مفعولين، بجامع أن كلاً منهما إدراك باطني بحس الباطن.
وَلاَ تُجِزْ هُنَا بِلاَ دَلِيلِ ... سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ
لما كان الأصل في دخول هذه الأفعال على المبتدأ والخبر، والمبتدأ والخبر لهما أحكامٌ من حيث الحذف وعدمه، ومن حيث وجوب الحذف وعدم جواز الذكر .. إلى آخره، كان الأصل في هذا الباب أن يكون محمولاً على ما سبق، هذا هو الأصل، لكنه خالف في بعض المسائل.
ولاَ تُجِزْ: لا ناهية، تُجِزْ، هذا مجزوم بها، هُنَا: يعني: في هذا الموضع في هذا المكان، بخلاف غيره، وإذا قيد ابن مالك في الباب حينئذٍ حمل عليه، وإذا أطلقه الأصل الإطلاق، كما قال: وَشَاعَ فِي ذَا البَابِ إسْقَاطُ الخَبَرْ هنا قال: ولاَ تُجِزْ هُنَا، أي: في هذا الباب.