بخلاف أفعال التصيير، فإنها متناولةٌ للذات فهي قوية في العمل. أفعال التصيير في هذا الباب أقوى من أفعال القلوب: صيرت الطين خزفاً، تعلق بالذات، مثل: ضربتُ زيداً، وأما الظن والاعتقاد والرجحان هذه متعلقة بالصفات لا تتعلق بالذوات، وإنما لم يدخل التعليق والإلغاء هب وتعلم وإن كانا قلبيين؛ لضعف شبهها بأفعال القلوب من حيث لزوم صيغة الأمر كما أشار إلى ذلك الناظم.
إذاً: لكون هذه الصيغة (هب تعلم) التُزِمت في هذين الفعلين ضعف؛ لأن الجامد أضعف من المتصرف، حينئذٍ لما كان هذان الفعلان جامدين لازمين لصيغة الأمر فحسب، لا يأتي منهما الماضي ولا المضارع، حينئذٍ لم يدخل فيهما التعليق ولا الإلغاء.
الحاصل: أن الأفعال التي يدخل فيها التعلق والإلغاء هي أحد عشر فعلاً من غير هب وتعلم، هب وتعلم كلاهما مع المجموع تصير ثلاثة عشر فعلاً، وأما أفعال التصيير فلا يدخلها لا تعليق ولا إلغاء، فهو خاص بما ذكره الناظم ... مِنْ قَبْلِ هَبْ.
وَخُصّ بِالتَّعْلِيقِ والإلْغَاءِ-بالمفهومين السابقين- مَا مِنْ قَبْلِ هَبْ، يعني: ما ذكر من قبل هب، وهو أحد عشر فعلاً، وأما هب وتعلم فلا يشملهما الحكم، كذلك أفعال التصيير ليست داخلة؛ لأنه ذكرها بعد هب وتعلم، فكل ما ذكر: هب وتعلم والتي كصيرا لا يدخلها تعليق ولا إلغاء، وما كان قبل هب حينئذٍ داخل في التعليق والإلغاء.
ثم قال كأنه معللاً لانتفاء دخول هب وتعلم لحيز التعليق والإلغاء، قال:
...... والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا
كَذَا تَعَلَّمْ ............ : إذاً: تعلم هب ألزما صيغة الأمر، فلا يأتي منهما ماضٍ ولا مضارع، هَبْ فهبني.
والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا: هَبْ هذا مبتدأ قَدْ أُلْزِمَا الأمرَ، الألف هذه للإطلاق، والضمير المستتر هذا يعود إلى هب، وهو نائب فاعل، والأمر هذا مفعول ثاني مقدم، قَدْ أُلْزِمَا الأمرَ، هب ألزم الأمر، إذاً: الأمر هذا مفعول ثاني، والمفعول الأول اكتفى على أنه نائب فاعل؛ لأن ألزم هذا مغير الصيغة.
والأَمْرَ بالنصب مفعول ثاني مقدم على عامله وهو أُلْزِمَا، هَبْ: هذا مبتدأ وقَدْ للتحقيق، وأُلْزِمَا: هذا فعل ماضٍ مغير الصيغة، والمفعول الأول هو النائب، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ هَبْ.
كذا تعلم: تعلم كذا أي: مثل هب؛ في كونه ألزم صيغة الأمر فلا يأتي منه ماضٍ ولا مضارع.
كَذَا تَعَلَّمْ، أي: مثل هب في لزوم الأمر، حينئذٍ لا يأتي منهما ماضٍ ولا مضارع، فقصد الناظم رحمه الله تعالى أن هذين فعلين يلزمان صيغة الأمر فلا يستعملان ماضيين ولا مضارعين.
. وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ كُلَّ مَالَهُ زُكِنْ
لما ذكر الأفعال عدها بصيغة الماضي، حينئذٍ دفعاً لإيهام أن العمل مخصوص بهذا اللفظ ولا يتعداه إذا كان مضارعاً أو اسم فاعل أو اسم مفعول أو مصدر أو نحو ذلك أزال هذا اللبس كما سبق في باب كان:
وَغَيْرُ مَاضٍ مِثْلَهُ قَدْ عَمِلاَ ... إِنْ كانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ