مَا مِنْ قَبْلِ هَبْ: وَخُصّ، هذا أمر أو ماضٍ؟ يحتمل هذا ويحتمل ذاك، يحتمل أنه أمر، حينئذٍ: مَا مِنْ قَبْلِ هَبْ، ما: اسم موصول بمعنى الذي في محل نصب مفعول به، ويحتمل أن: وَخُصّ، فعل ماضي مغير الصيغة، و (ما) حينئذٍ تكون نائب فاعل، والأظهر أنه فعل أمر، المناسب لقوله: وَالَّتِي كَصَيَّرَا ... انْصِبْ، أن يكون خص فعل أمر، وباعتبار ما بعده:

والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا ... ... كَذَا تَعَلَّمْ ......

ثم قال: اجْعَلْ.

والأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا: أن يكون خُصّ ماضياً مبني للمجهول، يعني: مثلما سبق، باعتبار السابق وباعتبار اللاحق، ما سبق ما هو؟ انْصِبْ، ثم قال هنا: أُلْزِمَا، وقع بين نوعين، أحدهما فعل أمر والثاني مغير الصغية، لكن الأكثر في هذا المقام أنه يأتي بفعل الأمر؛ لأنه قال: وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ ... وَجَوِّزِ الإِلْغَاءَ .. وَالْتَزِمِ التَّعْلِيقَ .. كلها أفعال أمر، فدل على أن المراد به الأمر، والأمر سهل.

وَخُصَّ بِالتَّعْلِيقِ وَالإِلْغَاءِ مَا ... مِنْ قَبْلِ هَبْ .....

كل ما ذكره في الأبيات الثلاثة الأول قبل هب، حينئذٍ يكون محلاً لهذين الحكمين، يعني: يجوز فيهما الإلغاء ويجوز فيهما التعليق، حينئذٍ ليس كل أفعال القلوب التي تنصب مفعولين يجوز فيها الإلغاء والتعليق، بل فيه تفصيل، ما كان من قبل هب الذي ذكره فيما سبق يجوز فيه الإلغاء والتعليق، وأما هب وتعلم فلا يجوز فيهما لا إلغاء ولا تعليق.

وَخُصّ بِالتَّعْلِيقِ والإلْغَاءِ مَا ... مِنْ قَبْلِ هَبْ: من أفعال القلوب وهو أحد عشر فعلاً ذكرها قبل هَبْ، ولماذا التفصيل هذا، لماذا فصلنا بين أفعال القلوب، بعضها يعلق ويلغى وبعضها الآخر لا يعلق ولا يلغى؟ وذلك لأن هذه الأفعال لا تؤثر فيما دخلت عليه تأثير الفعل في المفعول، وإن كانت أفعال تنصب إلا أنها ليست كضربت وقتلت ومشيت، تلك لها تأثير في الذوات، وأما هذه لا، التأثير يختلف، تأثيرها في مفاعليها ليس كتأثير الأفعال الحقيقة في مفاعيلها، فثم فرق بين النوعين، وإن قيل: بأن هذا الباب أعمل حملاً على باب أعطيت، إلا أن ثم فرقاً من حيث تعلق المفعول بعامله، ثم فرق بين التعلُّقين؛ لأن هذه الأفعال لا تؤثر فيما دخلت عليه تأثير الفعل في المفعول؛ لأن متعلقها في الحقيقة ليس هو الأشخاص، وإنما متعلقها الأحداث التي تدل عليها أسامي الفاعلين والمفعولين، حينئذٍ صارت ضعيفة، تقول: ضربت زيداً، زيداً هذا مفعول به، تعلق الضرب بشخص –بذات-، وأما ظننت زيداً قائماً تعلق هنا ظننت بقيام زيد ليس بزيد نفسه، إذاً علاقة ضربت زيداً ليست كعلاقة ظننت زيداً قائماً، لماذا؟ لأن ضربت زيداً تعلق الضرب بذات بشخص فهو أقوى في العمل، وأما ظننت زيداً قائماً، فهنا تعلق بصفات الذوات لا بالأشخاص والذوات أنفسهم، وهذا تأثير يختلف بين النوعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015