خِلْتُنِي لِيَ اسْمٌ يقين أو ظن؟ يقين، لماذا؟ لأنه يعرف اسمه هو، فتعرف أنك خالد،
هذا علم اليقين هذا يسمى، بخلاف العلم الحضوري.
دَعَانِي الْغَوَانِي عَمَّهُنَّ وَخِلْتُنِي
خِلْتُنِي: فعل وفاعل ومفعول، الفعل خِل، تُ: فاعل، نِي: نون الوقاية، والياء: مفعول به -لا ينطق به هكذا لكن للتوضيح-.
وخِلْتُنِي: هنا فيه من خصائص أفعال القلوب أن ضميرين اتصلا –متصلين- بفعل واحد والمرجع واحد، خلت يصدق على المتكلم. ني: من؟ هو نفسه. إذاً: ضميران مرجعهما واحد، هذا لا يجوز أصلاً، لكن يستثنى أفعال القلوب فيجوز اتحاد المعنى والضميرين، هما متصلان، ضميران متصلان، هذا جائز يستثنى.
إذاً: فعل وفاعل والنون للوقاية والياء مفعول أول، وفيه اتحاد الفاعل والمفعول، ضرب زيد عمْراً، لو قلت: ضرب زيداً زيداً لا يصح هذا، الفاعل والمفعول واحد لا يصح، وإنما هنا: خلتني؛ الفاعل والمفعول واحد وهما ضميران متصلان لمسمىً واحد وهو المتكلم، وهذا من خصائص أفعال القلوب.
إذاً: (خَالَ) تأتي بمعنى اليقين، والأصل فيها أنها بمعنى الظن.
وتأتي بمعنى علم وهو قليل، فإن كانت بمعنى تكبر أو ضلع فهي لازمة.
و (ظن) وهذه هي الأصل وهي أم الباب، (ظن) بمعنى الرجحان، ظننت زيداً صاحبك يعني: ترجح عندي صحبة زيد لك، وهو إدراك الراجح.
وقد تستعمل لليقين وهو قليل، ((وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ)) [التوبة:118] اعتقدوا يقين هذا (أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ)، (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ)، ظَنُّوا بمعنى اليقين؛ لأن هذه الأمور لا يكفي فيها الظن، لا يجزي، لا بد من اليقين.
إذاً: (ظن) الأصل فيها أنها للرجحان، وتأتي بمعنى اليقين. وسيأتي معنا:
لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وَظَنِّ تُهَمَهْ ظننت زيداً يعني: اتهمته.
وحَسِبَ والأصل فيها للرجحان، حسبت زيداً صاحبك، حسبت: فعل وفاعل، وزيداً: مفعول به، وصاحبك: مفعول ثاني، وحسب يحسَب يحسِب -فيه وجهان-، وَجْهَانِ فِيهِ مِنِ (احْسَِبْ)، -كذا قال ابن مالك-.
حسِب يحسِب يحسَب، القياس: يحسَب، وحسِب بمعنى: ظننت ((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)) [البقرة:273]، ((وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ)) [الكهف:18] وفي مضارعها لغتان: فتح السين وهو القياس؛ لأن الأصل المخالفة بين حركة العينين: الماضي والمضارع. فعِل القياس، فعَل فعُل، فعِل القياس، فعَل، يفعَل، يفعِل، فعَل القياس يفعُل يفعِل هذا القياس، هذا الأصل.
وكسرها وهو الأكثر في الاستعمال ومصدرها الحسبان بكسر الحاء والمحسبة.
وقد تستعمل لليقين، حسب بمعنى اليقين:
حَسِبْتُ التُّقى والجُودَ خَيْرَ تِجَارَةٍ ... رِباحاً إذا ما المَرْءُ أصْبَحَ ثَاقِلاً
حَسِبْتُ التُّقى والجُودَ، حَسِبْتُ: فعل وفاعل، والتُّقى: هذا مفعول أول، والجُودَ: معطوف عليه، خَيْرَ تِجَارَةٍ -هذا يقين أو لا-؟ التجارة الزاد للدار الآخرة ما هو اليقين أو الأسهم؟ اليقين، التقوى أم الأسهم؟ التقوى. وحينئذٍ نقول: هذه خير تجارة، ولا مانع إذا كانت الأسهم مباحة ما في بأس، تعين.