ومثال زَعَمَ: فَإِنْ تَزْعُمِينِي، إذاً: زعم تأتي للرجحان مثل: ظن، ومصدرها الزعم بتثليث الزاي، زعْم زِعْم زُعْم، هكذا في القاموس بتثليث الزاي. ومعناه قال السيرافي: هو قول مقرون باعتقاد صح أم لا. إذاً: هو قول، ثم يكون مصاحباً لاعتقاد، والاعتقاد قسمان: صحيح وفاسد، كلاهما يطلق عليه الزعم، زعم رسولك كذا، هذا حق.
وقال الجرحاني: هو قول مع علم.
وقال ابن الأنباري: إنه يستعمل في القول من غير صحته، وهذا الأكثر والأشهر، إذا كان القول ليس بصحيح أو ضعيف أو يدعى صحته وليس الأمر كذلك يعبر عنه بالزعم، زعم فلان كذا وزعم كذا، ويؤيده أو يقويه قولهم: زَعَمُوا مَطِيَّةٌ الْكذِبِ، أي: هذه اللفظة مركب الكذب.
قال الشاعر:
فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْتُ أَجْهلُ فِيكُمُ ... فَإِنِّي شَرَيْتُ الْحِلْمَ بَعْدَكِ بِا الْجَهْلِ
فَإِنْ تَزْعُمِينِي: هذا فعل مضارع من زعم، فيه أن هذه الأفعال تعمل سواء كانت بصيغة الماضي أو بصيغة المضارع.
وَلِغَيْرِ الْمَاضِ مِنْ ... سِوَاهُمَا اجْعَلْ كُلَّ مَالَهُ زُكِنْ
إذاً: العمل ليس خاصاً بالماضي، وهذا دليل عليه كما سيأتي.
فَإِنْ تَزْعُمِينِي: أين المفعول الأول؟ الياء تَزْعُمِينِي أنا.
كُنْتُ أَجْهلُ: الجملة في محل نصب مفعول ثاني، وزعم الأكثر فيها أنها تتعدى بـ (أن) مخففة أو مثقلة، قال الشاعر:
وَقَدْ زَعَمْت أَنِّي تَغَيَّرْتُ بَعْدَهَا ... وَمَنْ ذَا الَّذِي يَاعَزَّ لا يَتَغَيَّرُ
وَقَدْ زَعَمْت أَنِّي: (أنَّ) هنا واجبة الفتح أم جائز؟ واجب، لماذا؟
لأنها سدت مسد مفعولي زعم. ((زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا)) [التغابن:7] (أن) هذه مخففة من الثقيلة؛ لأنه باطراد أن (زعم) يليها (أن) مثقلة أو مخففة، هذا هو الكثير، وقليل أن يليها المفرد مثل ما ذكره زَعَمَتْنِى شَيْخاً، زَعَمَتْنِى الياء هذا مفعول أول، وشَيْخاً: مفعول ثاني.
زَعَمَتْني شَيْخاً وَلَسْتُ بِشَيْخٍ ... إِنَّمَا الشَّيْخُ مَنْ يَدبُّ دَبِيْبا
والمثال الذي ذكره هنا: فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْتُ أَجْهلُ؛ جاء الأول بدون (أن).
إذاً: الأكثر في (زعم) أن تتعدى إلى مفعوليها بواسطة (أنًَّ) المؤكدة سواء كانت مخففة من الثقيلة أم كانت مشددة كما ذكرنا، وقليل جداً أن يأتي الاسم المفرد بعدها.
عَدْ: مَعَ عَدْ كما قال الناظم. عَدْ بمعنى: ظن.
فَلاَ تَعْدُدِ الْمَوْلَى شَرِيكَكَ فِي الْغِنَى ... وَلكِنَّمَا الْمَوْلَى شَرِيكُكَ فِي الْعُدْمِ
فَلاَ تَعْدُدِ: تعدد هذا فعل مضارع مجزوم بـ (لا) الناهية، تَعْدُدِ حرك للتخلص من التقاء الساكنين، والفاعل: أنت، والْمَوْلَى المراد به الصديق، لا تعدد الصديق شريكك في الغنى، ولكن الذي يكون شريكك في العدم هو الصديق.
شَرِيكَكَ نقول: هذا مفعول ثاني.
إذاً: تَعْدُدِ هذا جاء به فعلاً مضارعاً، مع أنه نص على الفعل الماضي، مَعْ عَدْ، عَدْ هنا قال: فَلاَ تَعْدُدِ وحينئذٍ يعمل مضارعاً كما يعمل ماضياً، وهنا بمعنى ظن، فَلاَ تَعْدُدِ يعني: لا تظن، والْمَوْلَى: مفعول أول، وشَرِيكَكَ: مفعول ثاني.
"حَجَا" أيضاً بمعنى ظن.