إذاً: درى تأتي بمعنى علم، والقليل في درى أن تنصب مفعولين، هذا قليل فيها، والأكثر فيها أن يتعدى إلى واحد بالباء، دريت بكذا، علمت بكذا، دريت بكذا. فإن دخلت عليه همزة النقل تعدى بها إلى واحد بنفسه والآخر بالباء. ((وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ)) [يونس:16] أَدْرَاكُمْ الكاف هذا مفعول أول، وبِهِ الهاء: مفعول ثاني، إذا دخلت الهمزة -همزة النقل التعدية- على درى عدته إلى اثنين: الأول بنفسه والأول بحرف الجر وهو الباء، وتكون بمعنى: ختل، أي: خدع، وحينئذٍ تعد إلى واحد، "دَرَيْتُ الصيْدَ" أي: ختلته، إذاً: درى من أفعال اليقين وهي بمعنى علم وقد تخرج عنه.
تَعَلّمْ؛ هكذا ملازم للأمر، بمعنى: اعلم.
تَعَلّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا ... فَبَالِغْ بِلُطْفٍ فِي التَّحَيُّلِ وَالْمَكْرِ
تَعَلّمْ أنت يعني فعل أمر بمعنى اعلم، كأنه قال: اعلم، تعلم والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت.
شِفَاءَ النَّفْسِ، شِفَاءَ: هذا مفعول أول، وقهر عدوها: هذا مفعول ثاني.
والكثير في تعلم -التي بمعنى اعلم- الكثير استعمالها بـ (أنَّ) وصلتها، يعني يكون بعدها (أنَّ) المشددة مع صلتها وهو الجملة الاسمية.
تَعَلّمْ رَسُول اللهِ أنَّكَ مُدْرِكي
وما ذكره: - تَعَلّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا - هذا قليل، يعني القليل أن تتعدى بنفسها دون (أن) وصلتها، وهنا نصبت مفردين: شفاء وقهراً، وهذا قليل، والأكثر إذا تعدت إلى مفعولين أنها تتعدى بـ (أن) وما وراءها.
تعَلَّمْ أَنهُ لاَ طيْرَ إِلاَّ ... عَلَى متَطيِّر وَهو الثّبورُ
تعلَّمْ أنّ خَيرَ الناسِ طُرّاً ... قَتِيلٌ بين أَحجارِ الكُلاَبِ
تعلَّمْ أنّ، إذاً تتعدى بـ (أن)، والمراد بـ: تعلَّمْ هنا: اعلم، فحينئذٍ إذا كانت بمعنى تعلم الحساب تعدت إلى واحد، ما الفرق بين تَعَلّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا وبين: تَعَلَّم الحساب وتَعَلَّم الفقه وتَعَلَّم النحو ونحو ذلك؟ فرق من جهتين:
أولاً: تلك تتعدى إلى مفعولين، وهذه تتعدى إلى واحد؛ ثم المراد بالعلم في تَعَلَّم النحو والفقه المراد به تحصيله، فهو شيء يوجد بعد وجود أسبابه، فهو خارج عن اللفظ، وأما: تَعَلّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا فالمعلوم المأمور به هو ما عُلِّقَ عليه في الجملة، تعلم أنك ناجح، اعلم أنك ناجح، فحينئذٍ هل يحتاج إلى تحصيل؟ تعلم اعلم أنك ناجح، نقول: المراد علمه المأمور به هو ما عُلِّقَ عليه في الجملة فحسب، ليس شيئاً خارجاً عن الجملة بخلاف تَعَلَّم الفقه هذا يحتاج إلى سنين، أما تَعَلَّم أنك ناجح منذ أن تسمعه تعرف المعلوم المأمور به فلا إشكال.
وهذه الأفعال الدالة على اليقين -كما سبق-.
وأما الدالة على الرجحان فأشهرها: خلت زيداً أخاك، فالأصل أن نقدم (ظن) لكنه قدم خال، خَالَ هذه تستعمل في الدلالة على الظن، بمعنى ظن، خلت زيداً أخاك، خلت: فعل وفاعل، وزيداً: مفعول أول، وأخاك: مفعول ثاني، وقد تأتي لليقين، يعني: تدل على اليقين، الأشهر فيها أنها بمعنى (ظن)، وقد تستعمل على قلة بمعنى اليقين.
دَعَانِي الْغَوَانِي عَمَّهُنَّ وَخِلْتُنِي ... لِيَ اسْمٌ