وتأتي علم بمعنى ظن وهو قليل، ويمثل له النحاة بقوله تعالى: ((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)) [الممتحنة:10] لأن اليقين هنا بالحكم بالإيمان على الشخص -يقيناً- هذا ليس إليه، وإنما هو بالظاهر؛ لأن الإيمان مركب -اعتقاد وقول وعمل-، كلها أركان، العمل الظاهر ركن والقول ركن والاعتقاد ركن، إذا ظهر ركن أو ركنان وبقي الثالث قد يوجد وقد لا يوجد، فإذا ظهر الإيمان حينئذٍ يكون الشيء الظاهر مع عدم العلم بالباطن يكون رجحاناً وليس بيقين، وحينئذٍ: ((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)) [الممتحنة:10] فعبر هنا بالعلم؛ لأن الشأن في الإنسان بالحكم على الناس في الظاهر، إن أظهروا الإيمان حكمنا عليهم بالإيمان، وإن أظهروا ما يناقض الإيمان دل على أن الباطل منتف حينئذٍ حكمنا عليه، إن لم يظهر شيء ينافي الظاهر حينئذٍ صار كأنه علم نجزم به، ولذلك انتقي الفعل علم في هذا الموضع للدلالة على ما ذكرنا.
((فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ)) [الممتحنة:10] وإلا الأصل أنه رجحان؛ لأنه لا يقطع بإيمان الشخص.
فإن كانت من قولهم: علم الرجل إذا انشقت شفته العليا فهو أعلم؛ فهي لازمة. وسيأتي معنا: لِعِلْمِ عِرْفَانٍ، علم تأتي بمعنى عرف.
إذاً: علم تأتي بمعنى اليقين، وتأتي بمعنى الظن، وتأتي بمعنى أعلم، يعني: إذا شقت شفته العليا، وتأتي بمعنى عرف.
وَجَدْ: ((وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)) [الأعراف:102] وجد تأتي بمعنى علم، بمعنى اليقين. ((وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)) [الأعراف:102] إن ما إعرابها؟ مخففة من الثقيلة، أين اسمها؟ محذوف ضمير الشأن.
وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ ... وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ
وَجَدْنَا: هذا فعل ناسخ.
وَالْفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً فَلاَ ... تُلْفِيهِ غَالِبَاً بِإِنْ ذِي مُوصَلاَ
وهذا مثلها.
((وَإِنْ وَجَدْنَا)) إن: مخففة، لا.
وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ الْعَمَلُ ... وَتَلْزَمُ اللاَّمُ إِذَا مَا تُهْمَلُ
((وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)) هذه عاملة أو مهملة؟ مهملة.
ما الدليل على أنها مهملة؟
وَتَلْزَمُ الَّلامُ إذَا مَا تُهْمَلُ ((وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ)) الـ (نا) هنا فاعل، والفعل في وجدنا هذا ما إعرابه؟ فعل ماضي مبني على السكون، أَكْثَرَهُمْ: هذا مفعول أول، لَفَاسِقِينَ: هذا مفعول ثاني.
وجد هذه الأصل تأتي بمعنى علم، وتأتي بمعنى أصاب: وجدت الضالة أصبتها، حينئذٍ تتعدى إلى واحد، ومصدرهما قيل: الوجود والوجدان، يعني الاثنين هكذا قيل، وقيل: مصدر وجدنا بمعنى: علم الوجود، فإن كانت بمعنى أصاب هذه تعدت إلى واحد ومصدرها الوجدان، وقيل: الوجود، كما قيل: الوجدان مع الوجود، إذاً: فيه خلاف.
دَرَى تأتي بمعنى عَلِمَ.
دُرِيتَ الوَفِيَّ العَهْدُ يا عُرْوَ فَاغْتَبِطْ ... فإنَّ اغْتِبَاطَاً بالوَفَاءِ حَمِيدُ
دُرِيتَ الوَفِيَّ، دريت دَرَى دُرِي، حينئذٍ بني وغيرت صيغته، فارتفع المفعول الأول على أنه نائب فاعل وهو التاء، فالتاء هذه نائب فاعل والأصل فيها أنها مفعول أول، هي مفعول درى الأول، والوَفِيَّ: هذا منصوب على أنه مفعول ثاني.