إذاً: (رأى) تأتي بمعنى الظن وتأتي بمعنى اليقين، وسيأتي: وَلِرَأى الرُّؤيا انْمِ مَا لِعَلِمَا، رأى الحُلْمية أو الحُلُمية هذه أيضاً تتعدى إلى مفعولين، وحينئذٍ رأى تتعدى إلى مفعولين إذا كانت علمية بمعنى الاعتقاد، وإذا كانت ظنية، وإذا كانت حلْمية أو حلُمية يجوز الوجهان، حينئذٍ تتعدى إلى مفعولين واللفظ واحد بهذه المعاني.
وأما إذا جاءت بمعنى أبصر، رأيت زيداً تتعدى إلى واحد، رأيت زيداً؛ هذه بصرية، فإذا قلت: رأيت زيداً فعل وفاعل، وزيداً: مفعول به، رأيت زيداً في الدار وهي بصرية، رأيت زيداً قائماً، يصح أو لا يصح؟ بصرية، رأيت زيداً قائماً، قائماً ما إعرابه؟ حال من زيد، أو أنا، رأيته قائماً حال لي أنا من التاء يجوز، هذا محتمل، وحينئذٍ رأى البصرية تتعدى إلى واحد، فإن وجد بعدها منصوب فهو على الحال، إما من المفعول وإما من الفاعل.
وتأتي بمعنى اعتقد: رأى أبو حنيفة حِلَّ كذا، رأى أبو حنيفة حِلَّ النبيذ مثلاً، رأى أبو حنيفة: هذا فاعل، حل النبيذ: هذا مفعول –واحد-، إذاً: تعدت إلى مفعول واحد، وهذه رأى بمعنى اعتقد، يعني: اعتقد أبو حنيفة حل النبيذ، هذه رأى بهذا المعنى قد تتعدى إلى اثنين وقد تتعدى إلى واحد، واحد بالمثال الذي ذكرناه، وقد يتعدى إلى اثنين كما إذا قلت: رأى أبو حنيفة النبيذ حلالاً، النبيذ: مفعول أول، وحلالاً: مفعول ثاني.
يظهر من هذا والله أعلم أن الأولى فرع الثانية؛ لأن حل كذا هذا هو مصدر المفعول الثاني مضاف إلى الأول، صحيح -حل كذا-؟ إذا قيل: رأى أبو حنيفة حل النبيذ قلنا: هذه تعدت إلى مفعول، حل: هو المفعول –مضاف-، والنبيذ: مضاف إليه، لو نظرت إليها وهي متعدية: رأى أبو حنيفة النبيذ حلالاً؛ ما خرجت الجملة عنها، فحينئذٍ صارت تركيب أو اختصار في الجملة التي تعدت إلى واحد بالإتيان بمصدر الثاني المفعول الثاني وإضافته إلى المفعول الأول، رأى أبو حنيفة حل النبيذ ولا إشكال فيه، وحينئذٍ هذه تتعدى إلى مفعول واحد وتتعدى إلى مفعولين، ولو قيل: بأن الأصل أنها تتعدى إلى مفعولين ثم قد يختصر هذا لا إشكال فيه.
وتأتي بمعنى: أصبت رئته، رأيت زيداً إذا ضربته على رئته، رأيت زيداً هذا توري بها، رأيت زيد؟ لا، ما رأيت زيد، ما رأيت زيداً، هو يظن أنك ما رأيته بالبصر وأنت تعني به ماذا؟ ما رأيته يعني: ما ضربته، إذاً: هذا معنىً كذلك يضاف إلى ما سبق، وهذه تتعدى إلى مفعول واحد رأيت زيداً.
هذه معاني رَأَى، منها ما يتعدى إلى مفعولين، ومنها ما يتعدى إلى مفعول واحد، وما يتعدى إلى مفعولين بعضه يدل على اليقين، وبعضه يدل على الرجحان، وبعضه ما هو خارج عنهما.
عَلِمَ؛ الأصل فيها أنها بمعنى اليقين، علمت زيداً أخاك، يعني: تيقنت أن زيداً أخاك. ((عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ)) [البقرة:187] عَلِمَ اللَّهُ: هذا يقين.
عَلِمْتُكَ الْبَاذِلَ الْمَعْرُوفَِ فَانْبَعَثَتْ ... إِلَيْكَ بِي وَاجِفَاتُ الشَّوْقِ وَالأَ مَلِ
عَلِمْتُكَ الْبَاذِلَ، عَلِمْتُكَ: فعل وفاعل ومفعول أول، عَلِمْتُكَ بمعنى: تيقنتك، الْبَاذِلَ: هذا مفعول ثاني.